الحاكي ، بل المحكي عنه هو الّذي استعمل الألفاظ وألقى معانيها إلى السامع بواسطة الحاكي عنه من غير أن يكون بما هو حاك قاصدا لمعنى أو مريدا للإفهام الّذي عرفت أنه معنى الاستعمال ، بل ربّما لا يعرف معاني تلك الألفاظ ، ولا يدري فيما استعملت ، ولا لما ذا وضعت.
ولهذا استشكل شيخ مشايخنا (١) المرتضى ـ طاب ثراه ـ على ما نقل لنا عنه ، في قصد الدعاء من الآيات الدعائية كقوله تعالى : ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ )(٢) في قراءة الصلاة لأنّ قراءة القرآن التي جعلت جزءا للصلاة معناها الحكاية وهي منافية لقصد المعنى.
ويمكن الجواب عنه بمنع التنافي بين الحكاية وإنشاء المعنى ، وتجويز اجتماع اللحاظين معا على حذو ما سبق في بحث استعمال المشترك في معنيين ، ومع الغض عن ذلك ، نقول : يكفي في صدق القراءة الدعاء بألفاظ القرآن بقصد أنه من القرآن كما تمدح الملك ـ مثلا ـ بشعر غيرك فتقول : أنت كما قال فلان : « فانك شمس والملوك كواكب ».
وتكون حينئذ قد أنشأت مدحة الملك وأنشدت شعر غيرك.
وإن شئت تركت قراءة الآيات على حكايتها ، وجعلت الدعاء داعيا على الحكاية ، وذلك كاف في تحقّق الدعاء.
وفذلكة القول في المقام : أنّ الحكاية تنزيل الحاكي صوته منزلة صوت غيره فما هو إلاّ كناقلة الصوت (٣) المتعارفة في هذا الجيل ، أو كالصدى المسموع
__________________
(١) الشيخ مرتضى الأنصاري ، وقد عبّر عنه المصنّف في غير هذا المقام بـ ( الشيخ الأعظم ). ( مجد الدين ).
(٢) الفاتحة : ٦.
(٣) وهي آلة لهويّة متعارفة بين جمع من أبناء الزمان ، والظاهر أنها مسمّاة في اللغة الأروبائية بـ ( فنوگراف ) وفي اللغة العربية المباركة بـ ( حفظ الصوت ) و ( حافظة الصوت ) وغيرهما كمّا تركنا ذكره. ( مجد الدين ).