المشتقات ، فهو إذن يعدّ أحدها لا مبدأ لها ، اللهم إلاّ أن يعتبر في حدّ ذاته ، ويجرّد عن صورته ، ويكون بعد ذلك قابلا لأن تعتوره أيّ هيئة كانت من هيئات المشتقات ، ولكن هذا ليس بأمر يختص بالمصدر ، بل يشاركه فيه جميع المشتقات ، وما من مشتق إلاّ ويمكن اعتباره مبدأ لجميع المشتقات التي من بابه كذلك ، وذلك لأنّ كل شخص إذا جرّد عن تشخصه كان نوعا ، وإذا جرّد عنه النوع كان جنسا ، وهكذا هلمّ صاعدا إلى جنس الأجناس.
وبالجملة لا يمكن أن يكون المصدر مبدأ مع بقائه على صورته ، ويمكن ذلك مع تجريده عنها ، ولكنه لا يكون حينئذ مصدرا ، ويشاركه في ذلك جميع المشتقات التي من بابه.
وأما الثاني أعني عدم صلاحية المصدر لذلك بحسب اللفظ ، فلأنّ له أوضاعا نوعيّة ، وما له وضع نوعي لا يصلح لأن يكون أصلا ومبدأ.
أما الأول فلأنّ له أصنافا وأنواعا مختلفة ، وكل صنف ونوع منه مشتمل على أفراد متماثلة ، ولا يمكن ذلك عادة إلاّ بالوضع النوعيّ ، بل صرّح علماء العربية بقياسيّة عدّة منها ، كـ ( فعل ) للمصدر المعدّى الثلاثي ، وغيره ، ولا معنى لكونه قياسيّا إلاّ عدم توقفه على السماع في كل مادّة مادّة ، ولو كان شخصيّا ليتوقّف عليه فصحّته من غير سماع حتى في الجوامد كالتحجّر والتطيّن آية نوعيّة الأوضاع فيها.
وأما الثاني فلأنّ الوضع النوعيّ يحتاج إلى مبدأ سابق عليه إذ الواضع إذا وضع فعلا ـ مثلا ـ للماضي من كلّ مادة ، فلا بدّ أن تكون موادّ تلك الألفاظ ، وطبائع تلك المعاني معيّنة قبل ذلك ، وتكون مادّة كلّ لفظ بإزاء طبيعة معنى ، وهذا البرهان هو الّذي أحوجنا إلى الالتزام بأصل لزوم المادة في المشتقات ، ولولاه لكنّا في مندوحة من الالتزام به رأسا ، وذلك لأنه لمّا علمنا من تتبّع المشتقّات أنّ هيئة واحدة شخصيّة في موادّ لا تحصى كثرة تدل على الماضي مثلا ، والمضارع أو