وحاصل ما بقي في الذهن من مجلس درسه في تقريب ذلك : أنّ الإرادة ـ كما سبق في مبحثها ـ لا تتعلّق بغير المقدور ، والفرد الّذي تعلّق به من أفراد المأمور به هو ما يكون أمره سببا لوجوده ، وأما طلبه لما يحصل بغيره يكون من علاّم الغيوب تحصيلا للحاصل ، والغرض من الأمر أن يأتي بمطلق المأمور به ، لكن مع تغيير الداعي ، أعني عن النفسانيّة إلى قصد الأمر ، فإذا أتى به بغير هذا الداعي لم يسقط الأمر ، لأنّ الغرض منه كان تغيّر وجهه فلم يحصله.
وببالي أنه رحمه الله كان يصرّح بأنّ ما ثبت توصّلية ، فأتى به بغير داعي الأمر يكون من قبيل النسخ ، والظاهر أنه مذكور في كتابه.
وأقول : إنّ هناك غرضين : غرضا للآمر من الأمر ، وغرضا من المأمور به ، واللازم على المأمور تحصيل الثاني لا الأول ، فأقصى ما يلزم ممّا ذكره رحمه الله لغويّة الأمر في التوصّلي ، لحصوله بدون أمره ، فليسمّ ذلك إن شاء نسخا ، وإن شاء إسقاطا ، كما هو الاصطلاح الشائع.
المقام الثالث : في بيان أنه هل في الأدلّة الشرعية ما يوجب الخروج عن ظاهر الأمر ، وهو التوصّلية؟ وهل يتحصّل منها أصل ثانوي في خصوص أوامر الشارع أم لا؟ ذهب جماعة إلى الأول (١) ، واستدلّوا عليه بوجوه :
أولها : قوله تعالى : ( وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )(٢) وقد أطال الشيخ الأعظم في بيان وجه الاستدلال به ، والجواب عنه ، فمن شاء التفصيل فعليه بمراجعة تقريرات درسه (٣).
ويكفي في الجواب أن يقال : إنّ من الواضح أنّ الآية الكريمة ليست في مقام بيان تأسيس الأصل في الأوامر الشرعية كما هو المقصود ، بل في مقام أنّ
__________________
(١) وهو أصالة التعبديّة. ( مجد الدين ).
(٢) البيّنة : ٥.
(٣) مطارح الأنظار : ٦١.