وأما الشك في الاكتفاء بالنيابة وعدمه ، فينبغي الكلام أوّلا في إمكانها عقلا في الواجبات التعبدية ، ثم في مقتضى القواعد اللفظية ، والأصول العملية.
فنقول : قد يقال بامتناعها فيها ، لأن الأمر المتوجه إلى الغير لا يعقل أن يصير داعيا نحو الفعل وباعثا له ، مع أنه قد لا يكون هناك أمر أصلا حتى للمنوب عنه ، كما إذا كان ميّتا.
وأيضا كيف يمكن أن يكون مقرّبا للمنوب عنه مع أنه قد لا يكون له دخل واختيار في وجود الفعل ، وما لم يتحقق الفعل من جهة الإرادة والاختيار ولو على بعض الوجوه لا يعقل أن يصير موجبا للقرب.
فهذان الإشكالان يمكن الجواب عن الأول منهما : بأنّ مباشرة المكلّف إن كان لها خصوصية في غرض الآمر ، فلا يسقط الأمر بفعل الغير حتى في التوصّليات ، لعدم حصول الغرض الموجب للأمر.
وإن لم يكن لها ولا لاختياره دخل في الغرض ، ولم يكن شيء منهما قيدا للمطلوب ، فلا ريب في إمكان أن يصير الأمر المتوجّه إلى المنوب عنه داعيا للنائب بأحد الأسباب الداعية إلى تفريغ ذمّة المنوب عنه من التكليف ، وتخليصه من العقاب من حبّ أو أخذ أجرة ونحوهما.
ومنه يظهر الجواب عن المورد الّذي لا يكون تكليف على المنوب عنه ، كالنيابة عن الميّت ، إذ يكفي فيه قصد تخليصه من العقاب ونحوه إذا علم من الدليل حصوله بفعل النائب.
قلت : وينبغي التأمل في صحّة هذا الجواب بناء على أنّ معنى القربة قصد الأمر.
وأما الجواب عن الإشكال الثاني (١) فيمكن أن يقال : إنه يكفي في
__________________
(١) وهو قوله : مع أنه قد لا يكون له دخل واختيار في وجود الفعل ـ إلى قوله ـ لا يعقل أن يصير موجبا للقرب. ( مجد الدين ).