حصول القرب للمنوب عنه رضايته بالفعل وممنونيّته من النائب ، كما ورد ما معناه : « أنّ من رضي بعمل قوم اشترك معهم » (١) ويكون هذا الرضا والممنونية كافيا في القرب ، وكيف لا يكون ممنونا من النائب وقد خلّصه من تبعات الأمر ، ونجّاه من العقاب.
وفيه : بعد تسليم كفاية هذا المقدار من الانتساب في حصول القرب ، أنّ الرضا والامتنان يتوقفان على حصول القرب ، إذ لا وجه لهما لولاه ، فلو توقّف القرب عليهما لزم الدور.
ويمكن أن يقال : إنّا نرى بالوجدان فرقا ظاهرا بين عبدين امرا بأمرين ، أتى نائب أحدهما به ، ولم يأت الآخر ، فكيف يحكم وجدانك في ترتب الثواب ، والنجاة من العقاب عن المنوب عنه؟ بل نرى بالوجدان مزيّة للأول على الثاني وإن لم يصل إلى مرتبة الممتثل بنفسه ، ولكنه لمّا أتى به نائبه كان له مزيّة في ذلك ، وهذا المقدار يكفي في حصول القرب ، وصيرورة الفعل عبادة.
أو يقال : إنّ المنوب عنه يتلقّى الفعل من النائب ، ويسلّمه إلى الآمر ، ولا فرق في حصول القرب بين أن يسلّمه إلى الآمر ابتداء ، أو يسلّمه إليه بعد التلقّي من نائبه.
قلت : هذا حاصل ما أفاده السيد الأستاذ ـ طاب ثراه ـ ولم أره مدّة حضوري عليه ـ أحسن الله تعالى إليه ـ يستدل على الحقائق العلميّة بمثل هذه الوجوه الضعيفة الشعريّة كما رأيته في هذا المقام ، إذ الجميع كما ترى في غاية الضعف.
أمّا حديث الرضا والممنونيّة فبعد الدّور الواضح ـ المتقدّم بيانه ـ يرد عليه : أنّ مجرّدهما لا يكفي في صحّة الانتساب أو حصول القرب ، وإلاّ لحصل
__________________
(١) بحار الأنوار ٤٥ : ٢٩٥ ـ ١ ، عيون أخبار الرضا عليه السلام ١ : ٢٧٣ ، علل الشرائع ١ : ٢٢٩ ـ ١.