طاب ثراه ، إذ النيابة كافية في إسقاط الحقّ ولو مع عدم رضاء الميّت وامتنانه من النائب كما في الديون الدنيويّة.
على أنه من أين يعلم أنّ جميع الأموات يطّلعون على فعل النائب ، ويرضون به؟ ولو فرض اطّلاعهم عليه فهل ترى من نفسك التوقف في كفاية النيابة ، والحكم بلزوم التكرار حتى يأتي من عالم الآخرة خبر رضاء الميت ، وامتنانه؟ ولعلّ ما ذكرته يصلح لأن يكون شرحا لما أفادنا السيد الأستاذ.
وأما حصول القرب الفعلي فغير مأخوذ في مفهومه ، ولا لازم له وإن كانت العبادات موضوعة لأن يتقرّب بها ، ولا ملازمة بين حصول القرب وسقوط الأمر ، فكثير من العبادات التي يباشرها المكلّف بنفسه لا يعلم بحصول القرب فيها ، بل لعلّ منها ما هي مبعّدة لا مقرّبة ، وإنما قصاراها سقوط الأمر ، والأمن من العقاب ، كما ذكره المحقق القمي على ما ببالي ، ولهذا امتازت (١) شرائط الصحة عن شرائط القبول ، فربّ عبادة صحيحة تردّ ، ويضرب بها وجه صاحبها كما دلّ عليه صريح الكتاب ، ومتواتر السنة.
وبالجملة قد اتّضح بما بيّناه عدم لزوم حصول القرب الفعلي في التعبّديات ، وأنّه لا فرق بينها وبين التوصّليّات إلاّ لزوم حصول قصد القربة فيها ، وأين قصد القربة من التقرّب معنى وإن تشابها لفظا.
هذا ، ولو شكّ في لزوم المباشرة فمقتضى ظهور الصيغة لزوم المباشرة قطعا ، وهل هذا الظهور مستند إلى الوضع ، فيكون مجازا فيما علم بكفاية التسبّب فيه ، أو النيابة عنه ، كما قال المفسرون (٢) في قوله تعالى : ( يا هامانُ ابْنِ لِي
__________________
(١) خلافا لبعض أساتيذنا ، فانه زعم أن كل عبادة صحيحة مقبولة ، وبالعكس. ( مجد الدين ).
(٢) إذ نسبة البناء إلى هامان ـ مع كونه غير مباشر لهذا العمل وليس إلاّ التسبيب ـ مجاز. ( مجد الدين ).