بعد فرض العجز عن المباشرة ، واللازم في الثالث جوازها ، بل وجوبها بعد فرض العجز عن المباشرة ولكن يشترط فيهما بقاء زمان درك المصلحة ، كما هو ظاهر.
وحينئذ فمتى علم حصول كلا الشرطين ، أعني كون الأمر من قبيل أحد القسمين الأخيرين ، وبقاء وقت درك المصلحة ، تحقق موضوع النيابة عقلا ، ولا يحتاج إلى الدليل السّمعي إلاّ في مرحلة الإثبات ، وبعدها لا بدّ من انتفاع المنوب عنه ، وسقوط العقاب عنه إذا أتى أحد عنه ، كما لو تبرّع الغير في أداء الدين عن المديون ، إذ التحقيق أنه حكم على القواعد ، ولا وجه له إلاّ ما عرفت من عدم توقف الصلاح في الأداء على المباشرة ولا على زمان معيّن ، فمتى تبرع به أحد بوفائه عنه سقط الحق ، وبرئت ذمة المديون ، واستراح ممّا كان يلحقه من العتاب والعقاب قطعا ، وان لم يستوجب مدحا ، ولم يتّصف بالوفاء ، وحسن المعاملة ، بل يكون هو والغني المماطل على حدّ سواء.
ولا يشترط في تحقق موضوع التبرع ، ولا في براءة ذمّة المديون ، علم المتبرع عنه بتبرع الغير ، أو رضاؤه به ، بل يحصل ولو مع جهله به ، ومع كراهته له وعدم امتنانه من المتبرّع عنه ، كما هو مشاهد في الديون الراجعة إلى الخلق ، فليكن الحال كذلك في دين الخالق ، وحقوقه الواجبة على العباد.
فمن الحقّ الواجب على المستطيع مثلا الحجّ ، فإذا لم يأت به يبقى في ذمته ، ولا يزال يطالب به ، ويعاقب عليه حتى يحجّ عنه ، وبعده يسقط الحق ، ويسقط بسقوطه الآثار المترتبة عليه ، علم به أو جهله ، أرضاه ذلك أو أسخطه وإن لم يحصل له بذلك قرب ، ولم يستحق به المدح ، إلاّ أن يكون قد تشبّث إلى الفعل بوصيّة ونحوها.
ومن ذلك يظهر لك ما في الوجهين الأوّلين المتقدّمين في كلام السيّد (١)
__________________
(١) المراد بهذا السيّد ، السيد محمّد الفشاركي ، ولا يخفى أن ذلك خلاف المعهود إلاّ أن يتخذ اللام للعهد الذكري كما مرّ. ( مجد الدين ).