ويكفي القائل بوجوب مطلق المقدّمة بداهة سقوط الأمر بكلّ مقدمة بعد إتيانها ، ضرورة سقوط الأمر بالامتثال ، وأنه لا يبقى للآمر بعد علمه بإتيانها بعث إليها ولا إرادة ، فلا يأمر بعد قطع مسافة ما إلى قطعها ثانيا ، بل يأمر بطيّ باقي المسافة ، بل يكون طلبها محالا لأنه يرجع إلى تحصيل الحاصل ، وأنّ الإيصال لا يترتب على المقدّمة وحدها إذا كان الواجب يتوقف على غيرها أيضا فلا تكلّف إلاّ ما في وسعها ، وما هو إلاّ ما عرفت من إمكان الوقوع من ناحيتها بعد امتناعها ، فالذهاب إلى السوق إذا صار مقدّمة للطبخ لا يعقل أن يترتب عليه سوى الوقوف على حانوت القصّاب مثلا ، وأمّا وجود المطبوخ فيتوقف على مقدّمات أخرى ، ولا يكون إلاّ إذا قامت كلّ منها بوظيفتها ، ولا يعقل أن يكون له أثر إيقاد النار ، ولا نصب القدر عليها مثلا.
ويكفي القائل بخصوص الموصلة بداهة أنّ الجائع الّذي يطلب الخبز والصادي الّذي يروم الماء لا يسدّ جوع هذا ، ولا يروي عطش ذاك إمكان الخبز والماء ، وإذا لم يقع أحدهما على غرضه ، فامتناعه من جميع الجهات وإمكانه إلاّ من جهة واحدة عنده على حدّ سواء ، بل كثيرا ما يكون عدمها عنده أولى من وجوده ، بل يكون وجودها مبغوضا عنده ، وذلك فيما إذا كانت المقدّمة مشتملة على مفسدة في نفسها.
ألا ترى أنّ الآمر إذا أمر عبده بطلب غريم له في بلد بعيد ، وبذل له نفقة كثيرة لسفره ، وأركبه أعزّ خيله ، فسافر العبد ولم يطلب الغريم ، يصحّ له مؤاخذته قائلا : إذا كنت عاصيا بترك الطلب فلما ذا أتلفت مالي ، وأتعبت فرسي ، وتركت الواجب من سائر خدمتي؟
وكذا لو كان الآمر قد نزل بعينه الماء ، وكان له عبد كحال (١) فأمر بإخراج
__________________
(١) قداح ( خ ل ).