وجوب ذي مقدّمتها تأخّر المعلول عن العلّة ، والتابع عن المتبوع ، فلا يعقل تقدّمها عليه ، ولذا وقع الإشكال في موارد يوهم خلاف ذلك ، كوجوب الغسل قبل طلوع الفجر من يوم الصوم ، ووجوب السير إلى الحج على النائي قبل هلال شهره ، وإلى الجمعة قبل ظهرها ، ووجوب حفظ الماء على المحدث العالم بعدم التمكن منه بعد دخول الوقت ـ على ما قيل ـ إلى غير ذلك مما يقف عليه المتتبّع ، ومن هذا القبيل كلّ مقدّمة لا يسعها وقت الواجب المطلق ، أو تلزم مقارنتها لأول أجزائه ، وقد ذكر للتخلّص عن هذا الإشكال وجوه :
أوّلها : ما نسبه جماعة أوّلهم الفاضل المقرّر ، إلى العلاّمة ـ الجدّ ـ ولخّصه بقوله : « إنّ وجوب الإتيان بهذه المقدّمات ليس من حيث استلزام وجوب ذيها ، كما هو المراد بوجوب المقدّمة ، بل وجوبها نفسي وإن كانت المصلحة في وجوبها النفسيّ إمكان التوصّل بها إلى ذيها.
قال ، فيما حكي عنه : إن فسّر الوجوب الغيري بما يكون وجوب الفعل منوطا بوجوب غيره ، وحاصلا من جهة حصوله من غير أن يكون له مطلوبية بحسب ذاته ، بل تكون مطلوبيّته لأجل مطلوبية غيره ـ لم يتعقّل وجوبه الغيري قبل حصول الوجوب النفسيّ للغير ، لتفرّع حصوله على حصوله ، وتقوّمه به وإن تعلّق به أمر أصلي.
وإن فسّر الوجوب الغيري بما لا تكون المصلحة الداعية إلى وجوبه حاصلة في نفسه ، بل يكون تعلّق الطلب به لأجل مصلحة تحصل بفعل غيره لا يجوز تفويت المكلّف لها ، فيجب عليه ذلك ليتمكن من إتيانه بذلك الغير ـ أمكن القول بوجوبها قبل وجوب ذيها ، لا من جهة الأمر الّذي يتعلّق بذيها ، بل بأمر أصلي يتعلّق به ، وتكون الحكمة الباعثة على تعلّق الطلب به تحصيل الفائدة