انقضى الوقت ، ثم صادف مسلما بلغ به العطش حدّ الهلاك فهل في أهل الشرع من يتوقف في وجوب حفظ نفسه؟ وفي صحّة الأمر به؟ وجواز العقاب على تركه؟
ثم لو بقي على حفظ الماء وترك الوضوء شهرا كاملا فهل يشك في صحّة عقابه على ترك جميع الصلوات الفائتة مع الطهارة المائية؟ مع أنه لم يكن متمكنا إلاّ من بعضها.
ومن هذا الباب ما لو وجب على رجل نفقة الأرقاب ، فلم ينفق عليهم حتى اجتمع له من المال ما يستطيع به الحج ، فلا شكّ في وجوب الحج عليه ، لحصول القدرة الفعليّة له وإن لم تكن حاصلة على تقدير امتثال أمر الإنفاق.
ومثله ما لو كان لضعف بدنه لا يتمكن من تحمّل مشقة الصوم وتعب طريق الحج معا ، ولا شك في سقوط الحج عنه لو صام الشهر ، ولكنه لو عصى وبقيت القدرة على الحج فلا شك في وجوب الفرضين عليه ، وفي صحّة العقوبة على تركهما معا إلى غير ذلك من الأمثلة الّتي تجلّ لكثرتها عن التعداد.
وإذا كان الحكم كذلك في زمانين فليكن كذلك في زمان واحد ، لعدم الفرق فيما هو المناط.
والسرّ فيه : أنّ المناط في صحّة التكليف ، والعقاب على العصيان ، ليس القدرة على المجموع ، بل على الجميع وهي حاصلة على كل واحد من الأفعال على تقدير ترك الغير.
ولهذا حكموا في عشرة متيمّمين صادفوا ماء لا يكفي إلاّ لطهور واحد منهم بأنه إذا سبق أحدهم إليه فتطهّر بقي التسعة على تيمّمهم ، ومع ترك الجميع انتقض تيمّم الجميع ، وما ذاك إلاّ لأنّ كل واحد منهم واجد للماء قادر عليه وإن لم تكن قدرة للمجموع ، ولا شك في صحّة عقاب الجميع مع الترك ، مع أنّ مثل هذا القول يتّجه عليه بعينه ، فيقال : كيف يعاقب عشرة على ترك فعل لا يقدر عليه سوى الواحد؟ وفي الواجبات الكفائيّة نظائر كثيرة لذلك ، مع حكمهم