لأنه إن صحّ عقاب غير القادر فليكن بلا أمر ، فما فائدة الأمر؟ وإن لم يجز فلا يكون الأمر مصحّحا للعقاب على غير مقدور.
وقياسه بأوامر العصاة غلط واضح ، لأنها أوامر بعثية جدّية وإرادة لوقوع الفعل ، وإلاّ لما وجب عليهم الامتثال ، إذ الواجب بحكم العقل إطاعة الأمر الجدّي المطلوب به وقوع الفعل لا صورة الأمر ، وقد مرّ في محلّه عدم إمكان تقييد الأمر بكلّ من الإطاعة والعصيان.
وأمّا الاستدلال عليه بقولهم : الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار. فمن عجيب الأمور ، لأنه أجنبي عن المقام ، وما هو إلاّ أمر تذكره العدليّة في جواب المجبرة عن قولهم : إن الأفعال غير اختيارية ، لأنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، وبعد وجوبه يخرج عن الاختيار. وأين ذلك من أنّ بعد اتّصافه بالامتناع يصح التكليف به؟
وهذه العبارة الواردة في جواب شبهة ضعيفة في مسألة جزئية كلامية ، لم يكفها الطفرة عن فنّها إلى فنّ أصول الفقه حتى ارتقت ، وجعلها أحد أعلام العصر (١) ـ بل عالمه ـ قاعدة كلّية ذات مسائل وشروط ، وأطال في بيان تلك الشروط.
ومغزى جميعها إلى الفرق بين متوسط الأرض المغصوبة ، وبين تارك المسير إلى الحج في زمان استحالة وقوعه ، ولأجل ذلك اختار تفصيلا طريقا في هذه المسألة ، وهو اختيار قول الشيخ إن لم ترتبط بقاعدة الامتناع ، واختيار قول صاحب الكفاية إن كانت داخلة فيها.
وأنت جدّ خبير بأنه لا داعي إلى هذه الإطالة من الكلام ، بعد ما عرفت من أنها جواب شبهة غير مرتبطة بالمقام.
__________________
(١) هو الميرزا محمد حسين الغروي النائيني. انظر : فوائد الأصول ـ للكاظمي ـ ٢ : ٤٤٧ ، أجود التقريرات ١ : ٣٧٤.