لأنّ معنى الانطباق هو الاتّحاد ، والعدم ليس له وجود خارجي.
واختار هذا الوجه صاحب الكفاية (١) ، بل تجاوزه في درسه إلى إمكان وجود المصلحة في الترك نفسه من غير حاجة إلى عنوان وجودي ينطبق عليه.
وهذا ـ كما ترى ـ مستلزم لاجتماع الراجحيّة والمرجوحيّة في كلّ من الفعل والترك ، إذ رجحان أحد النقيضين يستلزم مرجوحيّة الآخر ، وكذا العكس.
وقد تنبّه لذلك ، ودفعه بما لا يقوم بعبء الدفع ، وحاصله : الفرق بين النهي التحريمي والتنزيهي ، وبيّن الفرق بينهما بما هو أشدّ غموضا من الأول ، ولعلّ ما تعرفه في كلام الفصول ما يرتق به هذا الفتق.
والسيد الأستاذ بعد ما أورد ما سمعت على الوجه السابق أبدى وجها آخر ، وهو أنّ فعل الصوم راجح ، وتركه مرجوح ، وأرجح منه تحقّق عنوان آخر لا يمكن أن يجتمع مع الصوم ، فنهى الشارع عن الصوم الموصل إلى ذلك العنوان.
وعلى ذلك فالنهي إرشادي محض ، إذ مجرّد أرجحيّة الضدّ لا يوجب النهي عن الضدّ الآخر ، بناء على عدم مقدّميّة الضدّ.
ولعلّ السرّ في التعبير بالنهي عن الصوم الراجح بدلا عن الأمر بذلك العنوان الأرجح عدم إمكان إظهار ذلك العنوان.
وهذا ـ رعاك الله ـ قصارى ما عندهم في التخلّص عن هذه المضايق على تفاصيل يطول بنقلها الكلام ، واحتمالات بعيدة غير سديدة ، هذا أقربها وأسدّها ، والجميع راجع إلى إخراج لفظ الكراهة عن معناه ، ومخالفة ظواهر الأدلّة.
هذا صوم يوم عاشوراء الّذي هو المثال المعروف لهذا القسم من مكروه العبادات كيف يمكن القول برجحانه ، وجعل الأرجح ذلك العنوان المجهول
__________________
(١) كفاية الأصول : ١٦٣.