قوله عليه السلام : ( إنّ اجتناب السيّئات أولى من اكتساب الحسنات ) (١) ونحو ذلك.
أقول : التعارض ـ كما تقرّر في محلّه ـ تنافي مدلولي الدليلين على وجه التناقض أو التضادّ.
ومعناه : أن يرد من الشارع دليلان ، يثبت أحدهما حكما لموضوع ، ويثبت الآخر ضدّه أو نقيضه ، فيكون الحكم في مرحلة التكليف مردّدا بين حكمين يعلم بعدم أحدهما ، وهناك يكون الرجوع إلى المرجّحات.
ومسألة الاجتماع ممّا لا قصور لها في مرحلة التكليف ، إذ يعلم كلّ من الطلبين ولم يأل الشارع جهدا في بيانهما ، وكلاهما حكم ثابت لموضوعه ، وإنما الشك في مرحلة الامتثال المتأخّرة عن الحكم ، وأنه هل يمكن الإطاعة بما يقع به العصيان أم لا؟ ورفع الشك فيه من وظيفة العقل لا الشرع ، بل ليس للشارع التصرّف فيه إلاّ بالتصرّف في الحكم ، كما في باب المتزاحمين.
وحكم العقل بتعيين الأهمّ للامتثال ، والتخيير مع التساوي ، إذ ليس للشارع التصرّف فيه إلاّ التصرّف في حكمه بجعل المهمّ هو الأهمّ ، أو جعل أحد المتساويين أهمّ من الآخر.
وبالجملة ، باب تعارض الدليلين وحدة المناط في الواقع ، والجهل بكون المناط مناط الأمر أم النهي ، ولا شك في أنّ رفع مثل هذا الشك من وظيفة الشارع ، وتطلّبه من الدليل ، وفي مسألة الاجتماع لا شك في وجود المناطين ، وليس من وظيفة الشارع رفع الشك فيه حتّى يرجع إلى الدليل.
فقاصد أربعة فراسخ يعلم ثبوت أحد التكليفين من الإتمام والقصر ، وعدم الآخر ، فيحق له التماس معرفته من الدليل ، ورجوعه إلى أصول التعارض
__________________
(١) غرر الحكم ١ : ٧٥ ـ ١٥٥٩.