ومظنونها في موارد البراءة والبيّنة القائمة على حلّية مظنون الحرمة ، إذ الترخيص لا يختص بصورة عدم المصادفة مع الحرام ، بل مشكوك الحرمة حلال مطلقا إذا كان مورد البراءة ومفاد الأمارة ، فالتناقض المدّعى وجوده موجود فيهما بأقسامه الثلاثة ، إذ من المعلوم وجود محرّمات كثيرة ونجاسات واقعيّة بين هذه المشكوكات التي تجري فيها قاعدتي البراءة والطهارة ، ويعلم إجمالا بمخالفة الأمارة مع الواقع في كثير من المواقع ، فكيف يجوّز ذلك الشارع ، أم كيف يصدّق المكلّف بحلّية ما يظنّ بحرمته؟ ومن الواضح ـ جدّاً ـ أنّ التصديق باجتماع الضدّين ولو على بعض التقادير محال ، والحكم بأنّ هذا المائع وإن كان حراما فهو حلال تهافت.
وبالجملة فالإشكال مشترك ، وطريق الحلّ واحد ، وهو أنّ متعلّق القطع والظنّ هو الحرمة الواقعية ، والردع لا يكون عنها أبدا ، بل الإذن يكون مؤمّنا من عقابها أو رافعا لتنجّزها ونحو ذلك من الوجوه الآتية ، فقطع المكلّف بأنّ هذه خمر يجب الاجتناب عنها ، قطع بالحرمة الواقعية ، ولم يردع عنه قط ، ورفع التنجز أو العقاب لم يتعلّق به القطع أبدا.
فاستبان من ذلك عدم الفرق بين القطع والظن من هذه الجهة ، فليجز في القطع ما يجوز في غيره ، وقد يفرّق بينهما بوجوه :
أحدها : إنّ الترخيص في ارتكاب مقطوع الحرمة ترخيص في المعصية ، إذ القطع علّة تامة لتحقّق عنوان المخالفة وهو قبيح عقلي لا يجوز كالظلم.
وفيه انّ الترخيص في المعصية المحتملة بلا عذر ولا مؤمّن قبيح أيضا ، فضلا عن المظنونة ، ومفروض الكلام جواز الترخيص في الحرام الواقعي ، والفراغ عن جواب ابن قبة ، فلا مانع من الإذن مع المصلحة ، ولا معصية مع الإذن فلا ظلم ، فيبقى السؤال عن الفرق بينهما على حاله.