وظني أنّ هذا الوجه مأخوذ من السيد الأستاذ (١) ، ومرضيّ لديه ، ولا يخفى أنه راجع إلى الّذي قبله ، فيرد عليه ما تقدّم ، إذ من الممكن بل الواقع كثيرا ، التفكيك في مقام الإطاعة بين التكاليف المتعددة ، فيطيع بعضا ويعصي بعضا ، وإلاّ لزم أن لا يوجد مصلّ لا يصوم ، وصائم لا يحج ، لا سيّما مع اختلاف الآثار ، وقد مرّ مثاله.
ولا أرى زيادة لهذا الوجه إلاّ ما أدرج فيه من شرط الاستقلال في التأثير ، وتقدّم الأمر بالفعل على الأمر بها (٢) رتبة ، والاستقلال حاصل مع اختلاف الدواعي إلى الامتثال ، فمن لا يريد إلاّ النّفع العاجل في المثال ، فالأمر بالإطاعة هو المؤثّر المستقل في إتيان الفعل من غير مدخل لأمر الصلاة فيه.
وتقدّم الأمر بالفعل على الأمر بإطاعة أمره رتبة ممّا لا ينكر ، ولكنه لا يوجب خلاف ما قلناه ، أما من جهة المكلّف فلما مرّ بعينه ، وأمّا من جهة الآمر ، فلأنه لا مانع من أن يتصوّر بعد الأمر عدم وقوع مقتضاه وعدم تأثيره فيه ، فيأمر به بعنوان آخر كما في الأمر بالضدّين على الترتّب.
وأرى الأحسن من الجميع ، أن يقال في بيان الاستحالة : إنّ من المقرّر أنّ تعدّد الأمر لا يكون إلاّ بتعدّد المأمور به ولو حكما ، وإلاّ كان الثاني تكرارا للأول وتأكيدا له وان اختلفا في اللفظ ، وليس قول القائل : اعمل بقطعك ـ أو ـ أطع ، إلاّ بعثا نحو الفعل وطلبا له بعينه ، إذ لا معنى للعمل بالقطع ولا للإطاعة إلاّ إتيان الفعل ، أعني متعلّق الأمر الأول ، فإذن الأمر بها ليس إلاّ تكرار للأمر به وتأكيدا له بعبارة لا تخالفه إلاّ في صرف المفهوم نحو : افعل ولا تترك ، فليس غير الفعل عنوان آخر يتعلّق به الطلب ، ولو تعلّق الأمر بالإطاعة لزم أن يكون الأمر محرّكا
__________________
(١) هو السيد محمد الفشاركي قدس سره.
(٢) الضمير راجع إلى الإطاعة.