واعترض عليه في الحاشية ، بأنّ ذلك يناسب الإمكان الاحتمالي ، بخلاف الإمكان في قبال الامتناع ، فإنّ الحكم به لا بدّ من البرهان ، ولا يكفي مجرّد عدم الاطّلاع على ما يوجب الامتناع ، وليس بمجرّد ذلك طريقا يسلكه العقلاء في الحكم به بهذا المعنى ، ولا بمعنى آخر إلاّ بمعنى الاحتمال ، وأيّ عاقل يحكم بأحد طرفي الاحتمال بلا موجب ولا مرجّح ، وهل هو إلاّ تحكّم وترجيح بلا مرجّح؟ (١). انتهى.
وقد حمل هذا الأستاذ الإمكان على الوقوعي (٢) ، فأورد عليه ما أورد ، وليس في كلامهم الّذي سمعته ما يدلّ عليه ، بل الظاهر منه الإمكان بمعنى الاحتمال لا الاحتمال الّذي قال فيه قبل ما نقلناه عنه : « لا يحتاج إلى مئونة ، بل يكفي فيه عدم الاطلاع على ما يوجب استحالته » (٣).
بل الاحتمال الّذي تثقل عليهم وطأته ، وتعظم مئونته ، فيسهر لياليهم ، ويستوعب أيامهم النّظر في حجّة مدّعي الامتناع وفي كلّ ما يصلح لها ، وبعد ما يتضح لديهم عدم صلاحية جميع ذلك للامتناع ، يبنون على الإمكان ، كما قال الشيخ : « إنّا لا نجد في عقولنا بعد التأمل ما يوجب الاستحالة » (٤).
وهذه محجة سنّها العقلاء ، وجرى عليها العلماء ، فترى العقلاء إذا قصدوا مسافة بعيدة أو بناء دار جديدة ، نظروا أوّلا فيما اعتادوه من الموانع عنهما ، فإذا جزموا بعدمها عزموا عليهما غير مكترثين باحتمال مانع لم يقرع أسماعهم ، ولم تحط به أفكارهم ، ولو بنوا على الاكتراث بمثل هذا الاحتمال لم ينتظم لهم أمر في معاش أو معاد.
__________________
(١) حاشية فرائد الأصول : ٣٢.
(٢) حاشية فرائد الأصول : ٣٢.
(٣) حاشية فرائد الأصول : ٣٢.
(٤) فرائد الأصول : ٢٤.