أرادوا إلاّ الخير ، فتجاوز الله عنّا وعنهم ، وجازاهم بحسن النية خيرا.
وقد قال إمام الشيعة بعد الأئمة ، ورباني هذه الأمة الشيخ أبو عبد الله المفيد في شرح عقائد الشيخ الصدوق ، ما لفظه :
« أصحابنا المتعلّقين بالأخبار أصحاب سلامة ، وبعد ذهن ، وقلّة فطنة يمرّون على وجوههم فيما سمعوه من الأحاديث ، ولا ينظرون في سندها ، ولا يفرّقون بين حقّها وباطلها ، ولا يفهمون ما يدخل عليهم في إثباتها ، ولا يحصلون معاني ما يطلقون منها » (١).
صدق أجزل الله ثوابه ، وجعل الجنة مثابة ، ولو لا سلامة الذهن لما عمد هؤلاء إلى هذا المعجز العظيم الّذي جعله المرسل به صلّى الله عليه وآله أكبر آية على رسالته ، وأعدل شاهد على صدقه في نبوّته ، فلم يتحد بسائر ما أوتي من الآيات الباهرات من حنين الجذع ، وتسبيح الحصاة ، بل تحدّى به ، وقال بتعليم الله تعالى له : ( فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ )(٢). فيجعلوه من قبيل الألغاز والمعمّيات ، وما ذاك إلاّ لعدّة روايات أكثر أسانيدها بين ضعيف وبين مرسل ، ومتونها مقسم إلى مجمل ومؤوّل.
فو الكتاب المبين ، ومن أنزل عليه صلّى الله عليه وآله أجمعين ـ لو تجاوزت عدّة هذه الأخبار عقد المئات ، وسلمت أسانيدها ومتونها من العلاّت ، ولم يكن فيها غير موثّق وصحيح ، لوجب أن يضرب بها وجه الجدار ، ويمحى أثرها من كتب الآثار ، كيف وليس فيها خبر يمكن الاعتماد عليه إلاّ وهو وارد في موارد أخرى ، كما أوضحه الشيخ في الرسالة (٣) فكفانا مئونة الإطالة.
ومهما شك الإنسان في شيء ، فلا يشك في أنه صلّى الله عليه وآله دعا
__________________
(١) تصحيح الاعتقاد المطبوع مع أوائل المقالات : ٢١٣.
(٢) هود : ١٣.
(٣) راجع فرائد الأصول : ٣٥ وما بعدها.