وغيرهما من العلوم العربية ، فكيف صار كلامهم حجة في تلك العلوم دونها؟! وبأيّ وجه لا يصدق الخليل ـ وهو الوجه والعين ـ فيما ينقله في كتاب « العين » عمّا سمعه في اللغة من بادية الأعراب ، ويصدق فيما ينقله عنه صاحب الكتاب من وجوه الإعراب! هذا هو الحيف ، إلاّ أن يمنع هذا المانع حجّية أقوالهم في جميعها ، فتكون هذه الطامة جناية على علوم العربية عامة.
ومنع الشيخ معرفة الحقيقة من المجاز بمجرّد قول اللغوي ، واستنتج منه عدم الانتفاع به في تشخيص الظواهر (١).
وتبعه في ذلك عدّة ممّن تأخّر عنه ، بل زادوا عليه عدم كون اللغوي من أهل الخبرة بمعرفة الأوضاع ، فقال في الكفاية : « لا يكاد يحصل من قول اللغوي وثوق بالأوضاع ، بل لا يكون اللغوي من أهل خبرة ذلك ، بل إنّما هو من أهل خبرة موارد الاستعمال ، بداهة أنّ همّه ضبط موارده ، لا تعيين أنّ أيّا منها كان اللفظ فيه حقيقة أو مجازا ، وإلاّ لوضعوا لذلك علامة ، وليس ذكره أوّلا علامة كون اللفظ حقيقة فيه للانتقاض بالمشترك » (٢).
وتبعه في ذلك صاحبنا العلاّمة ، وزاد عليه بقوله : « وأمّا كون المعنى الكذائي حقيقيّا فلا يطّلع عليه ، وإن اطّلع عليه بواسطة بعض الأمارات فليس من هذه الجهة من أهل الخبرة » (٣) وكأنّ ما ادّعاه مأخوذ من الحاشية ، حيث قال :
« لا يختص بفن اللغة إلاّ خصوص ضبط المعاني المستعمل فيها دون كيفية الاستعمال فيها ، بل يكون اللغوي وغيره فيها سواء ، حيث يحتاج في تعيينها إلى إعمال علائم الحقيقة والمجاز ، ومن المعلوم عدم اختصاصها به » (٤).
__________________
(١) فرائد الأصول : ٤٦.
(٢) كفاية الأصول : ٢٨٧.
(٣) درر الأصول ٢ : ٣٧.
(٤) حاشية فرائد الأصول : ٣٥.