وظاهر أنّ جميع ما يورد على صرف التكليف عن الواقع إلى مؤدّيات الطرق من التصويب وشبهه يرد عليه بعينه.
عاد كلامه : « فإن قلت : نحن نرى أنه إذا عيّن الشارع طريقا للواقع عند انسداد باب العلم به ، ثم انسدّ باب العلم بذلك الطريق ، كان البناء على العمل بالظن في الطريق دون نفس الواقع ، ألا ترى أنّ المقلّد يعمل بالظن في تعيين المجتهد ، لا في نفس الحكم الواقعي ، والقاضي يعمل بالظن في تحصيل الطرق المنصوبة لقطع المرافعات ، لا في تحصيل الحق الواقعي بين المتخاصمين.
قلت : فرق بين ما نحن فيه وبين المثالين ، فإنّ الظنون الحاصلة للمقلّد والقاضي في المثالين بالنسبة إلى الواقع أمور غير مضبوطة ، كثير المخالفة للواقع ، مع قيام الإجماع على عدم جواز العمل بها كالقياس ، بخلاف ظنونهما المعمولة في تعيين الطريق ، فإنّها حاصلة من أمارات منضبطة ، غالب المطابقة ، لم يدلّ دليل بالخصوص على عدم جواز العمل به.
فالمثال المطابق لما نحن فيه ، أن يكون الظنون المعمولة في تعيين الطريق بعينها هي المعمولة في تحصيل الواقع لا يوجد بينهما فرق من جهة العلم الإجمالي بكثرة مخالفة إحداهما للواقع ، ولا من جهة منع الشارع عن إحداهما بالخصوص ، كما أنّا لو فرضنا أنّ الظنون المعمولة في نصب الطريق على العكس في المثالين كان المتعيّن العمل بالظن في نفس الواقع دون الطريق.
فما ذكرنا من العمل على الظن ـ سواء تعلّق بالطريق أم بنفس الواقع ـ فإنّما هو مع مساواتهما من جميع الجهات ، فإنّا لو فرضنا أنّ المقلّد يقدر على إعمال نظير الظنون التي يعملها لتعيين المجتهد في الأحكام الشرعية مع قدرة الفحص عمّا يعارضها على الوجه المعتبر في العمل بالظن لم يجب عليه العمل بالظن في تعيين المجتهد ، بل وجب عليه العمل بظنّه في تعيين الحكم الواقعي.
وكذا القاضي إذا شهد عنده عادل واحد بالحق لا يعمل به ، وإذا أخبره