ولكن قوله : « وكأنّ المستدلّ توهّم أنّ مجرّد نصب الطريق ولو مع عروض الاشتباه فيه موجب لصرف التكليف عن الواقع إلى العمل بمؤدّى الطريق » يوهم الترديد في مراد الفصول ، مع أنّ ذلك صريحه في عدّة مواضع ، بل هو الأصل الّذي بنى دليله عليه ، وهو الحق الّذي لا معدل عنه لكن على وجه يسلم من هذه الاعتراضات المتوجّه إليه من الشيخ وغيره ، ونؤخّر بيانه إلى أن يفي الشيخ بوعده ، أعني مزيد التوضيح لاندفاع هذا التوهّم ، ونزيده توضيحا عند شرح كلام أخيه الجدّ ، ونكتفي هنا بقولنا : إنّ هذا الّذي سمّاه توهّما قد جزم به في رسالة البراءة ، وتخلّص به عن الدليل العقلي المستدلّ به على وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية ، ودونك كلامه بنصه :
« والجواب أولا : منع تعلّق تكليف غير القادر على تحصيل العلم ، إلاّ بما أدّى إليه الطرق غير العلمية المنصوبة له ـ وقد سمعت منه منع نصب الطريق (١) ـ فهو مكلّف بالواقع بحسب تأدية هذه الطرق لا بالواقع من حيث هو ، ولا مؤدّى هذه الطرق من حيث هو حتى يلزم التصويب أو ما يشبهه ، لأنّ ما ذكرناه هو المتحصّل من ثبوت الأحكام الواقعية للعالم وغيره ، وثبوت التكليف بالعمل بالطرق » (٢) انتهى.
وهذا مذهب صاحب الفصول بعينه ، وقد أحسن في بيانه ، وتشييد أركانه ، وقد برّأه عن هجنة (٣) التصويب وما يشبهه ، وجعله المتحصّل من ثبوت الأحكام الواقعية والعمل بالطرق العلمية ، واحتمل هنا نظيره في مسألة عمل القاضي بالظن في الطريق ، كما ستعرفه.
__________________
(١) ما بين الشرطتين من المصنف.
(٢) فرائد الأصول : ٢١٣.
(٣) الهجنة ـ بضم الهاء ـ في الكلام : العيب والقبح. القاموس المحيط ٤ : ٢٧٩ ، المصباح المنير : ٦٣٥ ( هجن ).