وقد عرّف الوضع تارة بأنه ( تعيين اللفظ للدلالة على المعنى بنفسه ) (١).
وتارة بأنه ( نوع تخصيص ينشئه الواضع ) (٢) ومرجعه إلى قصر اللفظ على المعنى.
وتارة بأنه ( نحو اختصاص اللفظ بالمعنى ) (٣) أو ( تعيين شيء لشيء ) (٤) إلى غير ذلك من التعاريف ، المتقاربة في المراد ، المتشابهة في الإجمال ، مما يقف عليه من تصفّح كتب القوم ، وتفحّص عنها ، بعضها تعريف له بالمعنى المصدري ، وبعض له بالمعنى الحاصل منه.
ولا أرى لك صرف نقد الوقت في انتقاد هذه التعاريف ، وفيما يرد عليها طردا وعكسا ، بل أرى أن تسالم هؤلاء جميعا ، وتصرف عنان الهمّ نحو معرفة ما يحصل به ذلك الاختصاص ، أو التخصيص ، أو التعيين ، أو الارتباط ، ويتوصل بذريعته إلى هذه الأمور ، ويترتب عليه المقصود من جعل الدلالة.
ولا يمكن جميع ذلك إلاّ بالتعهد أعني تعهّد المتكلّم للمخاطب ، والتزامه له بأنه لا ينطق بلفظ خاص إلاّ عند إرادته معنى خاصا ، أو أنه إذا أراد إفهامه معنى معيّنا لا يتكلّم إلاّ بلفظ معيّن ، فمتى تعهّد له بذلك وأعلمه به حصلت الدلالة وحصل الإفهام ، ولا يكاد يحصل بغير ذلك.
فلنا في المقام دعويان : حصول الوضع بالتعهد المذكور ، وعدم إمكان حصوله بغيره.
أما الأول فظاهر ، إذ من الواضح أنّ السامع إذا عرف التزام المتكلّم بأنه لا يطلق لفظ الأسد ـ مثلا ـ إلاّ على ذلك الحيوان المفترس ، وأنه عند إرادته
__________________
(١) [ راجع ] الفصول [ الغرويّة ] في مبحث الوضع [ : ١٤ ] ( منه ره ).
(٢) [ راجع ] الفصول [ الغرويّة : ٥٤ ] في مبحث استعمال المشترك. ( منه ره ).
(٣) [ راجع ] كفاية الأصول [ : ٩ ] ( منه ره ).
(٤) نقله في الفصول [ : ٥٤ ] عن بعضهم. ( منه ره ).