نقول : نعم ، لا يكون مجازا ولا حقيقة ، بل يكون غلطا قبيحا ، إذ من أسمج التعبير وأقبحه قول القائل : ( من ) زيد خير من ( إلى ) عمرو. أو : ( من ) سيري البصرة و ( إلى ه ) الكوفة. إلاّ أن يكون المراد منه اللفظ كما في قوله : ألام على لوّ (١). وفي قوله : هل ينفع شيئا ليت (٢). أو تحسّنه صناعة بديعيّة ، هذا.
وأما على ما تقدم من السيد الأستاذ فهما مختلفان بحسب المفهوم إذ الملحوظ الاستقلالي غير الملحوظ الآلي وإن اشتركا بعد تجريد المعنى عن اللحاظين.
هذا ، وفي معاني الحروف مسلك آخر ، وهو أدقّ وألطف ممّا تقدّم ، ذهب إليه جماعة أو لهم ـ فيما أعلم ـ نجم الأئمة الرضي في شرح الكافية ، وتبعه غير واحد من المتأخرين.
وحاصله على اختلاف تقادير الذاهبين إليه : أنّ الحروف لا معاني لها أصلا ، بل هي كالعلم المنصوب بجنب الأسماء (٣) لتعيّن مواقعها من الكلام ، وتربط بعضها ببعض ، وما هي إلاّ كرفع الفاعل ونصب المفعول ، فكما أنّ رفع ( زيد ) ونصب ( عمرو ) في قولك : ضرب زيد عمراً. لا يزيدان في الجملة معنى أصلا ، ولا وظيفة لهما إلاّ تعيين أن موقع ( زيد ) فيها موقع الفاعل ، و ( عمرو ) موقع المفعول.
كذلك موقع ( الباء ) و ( في ) في قولك : ضربت فلانا بالسوط في الدار. فإنه لا
__________________
(١) صدر بيت ، لم يسمّ قائله ، وتمام البيت هكذا :
الأم على لوّ وإن كنت عالما |
|
بأذناب لوّ لم تفتني أوائله. |
(٢) صدر بيت ، وتمامه هكذا :
ليت وهل ينفع شيئا ليت |
|
ليت شبابا بوع فاشتريت |
من أبيات رؤبة بن الحجاج بن رؤبة التميمي.
(٣) شرح الكافية ١ : ١٠.