والظاهر أنه أراد إذا خالعته لغير بغض وخشية من أن لا تقيم حدود الله ، لأنه لو أراد الأول لقال كره له ، فلما قال كره لها دل على أنه أراد مخالعتها له والحال عامرة والأخلاق ملتئمة ، فإنه يكره لها ذلك ، فإن فعلت صح الخلع في قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة والثوري ومالك والأوازعي والشافعي ، ويحتمل كلام أحمد تحريمه فإنه قال : الخلع مثل حديث سهلة تكره الرجل فتعطيه المهر فهذا الخلع ، وهذا يدل على أنه لا يكون الخلع صحيحاً إلا في هذه الحال ، وهذا قول ابن المنذر وداود . وقال ابن المنذر : وروي معنى ذلك عن ابن عباس وكثير من أهل العلم ، وذلك لأن الله تعالى قال ( وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) فدل بمفهومه على أن الجناح لا حق بهما إذا افتدت من غير خوف ، ثم غلظ بالوعيد فقال ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) وروى ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة ) رواه أبو داود . وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( المختلعات والمنتزعات هن المنافقات ) رواه أبو حفص ورواه أحمد في المسند وذكره محتجاً ، به وهذا يدل على تحريم المخالعة لغير حاجة ، ولأنه إضرار بها وبزوجها وإزالة لمصالح النكاح من غير حاجة ، فحرم لقوله عليهالسلام ( لا ضرر ولا ضرار ) . واحتج من أجازة بقول الله سبحانه ( فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا ) انتهى .
ولكن كل ذكاء هؤلاء الفقهاء لا يحل مشكلة الحديث أيضاً :
أولاً
، لأن الحديث في مجرد طلب الطلاق ، وليس في بذل المهر وطلب الخلع ، وقد اعترف بذلك ابن
حزم قال في المحلى ج ١٠ ص ٢٣٦ حيث قال : قال أبو محمد ( يعني نفسه ) : واحتج من ذهب إلى هذا ( حرمة الخلع ) بما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن اسحاق بن السليم نا ابن الأعرابي نا محمد بن إسماعيل الصائغ نا عفان بن