والتحقيق : أنّ الوضع ـ سواء كان بمعنى التعهد والالتزام النفساني ، أو بمعنى اعتبار نفساني ـ على تمام أنحائه في مرتبة متقدمة على الاستعمال. أمّا على الأوّل : فواضح ، ضرورة أنّ التعهد والتباني بذكر لفظ خاص عند إرادة تفهيم معنى ما ، يكون مقدّماً على الاستعمال لا محالة ، من دون فرق بين أن يكون إبراز هذا التعهد بمثل كلمة وضعت ، أو نحوها الدالة على التعهد بالمطابقة ، أو يكون المبرز نفس الاستعمال الدال على ذلك بالالتزام بمعونة القرينة. وأمّا على الثاني : فلأنّ اعتبار الملازمة أو نحوها بين لفظ خاص ومعنى ما ، مقدّم على الاستعمال بالضرورة ، وإن كان المبرز لذلك الاعتبار نفس الاستعمال مع نصب القرينة على ذلك ، وكيف كان فالاستعمال متأخر عن الوضع لا محالة.
ونظير ذلك الهبة ، فانّه تارة يبرزها بجملة ( وهبتك ) الدالة عليها بالمطابقة واخرى يبرزها بجملة ( خذ هذا الثوب ) مثلاً الدالة عليها بالالتزام.
فقد أصبحت النتيجة أنّ محذور لزوم الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي مندفع على جميع المسالك في تفسير حقيقة الوضع ، فانّ الوضع أمر نفساني ثابت في افق النفس ، والاستعمال أمر خارج عن افق النفس ، فالوضع سابق على الاستعمال دائماً.
بل لو تنزّلنا عن ذلك وسلّمنا الجمع بين الوضع والاستعمال في آن واحد ، لم نسلّم استلزامه الجمع بين اللحاظين الآلي والاستقلالي ، فانّ هذا اللازم مبتن على مذهب المشهور في مسألة الاستعمال ، حيث إنّهم يرون الألفاظ في مرحلة الاستعمال آليات ، وأمّا على المذهب الصحيح من أنّ حال الألفاظ حال المعاني في مقام الاستعمال ، فكما أنّ المعاني ملحوظة استقلالاً ، فكذلك الألفاظ ، ومن هنا يلتفت المتكلم إلى خصوصيات الألفاظ الصادرة منه من كونها لغة عربية أو فارسية أو غير ذلك ، فلا يلزم من الجمع بين الوضع والاستعمال ، الجمع بين