وقد ظهر ممّا حققناه سابقاً (١) أنّ الإطلاقات المذكورة ليست من قبيل الاستعمال في شيء على تفصيل تقدّم.
كما أنّه قد تبين ممّا ذكرناه الآن أنّ هذا الاستعمال استعمال حقيقي وفي المعنى الموضوع له ، بيانه : هو أنّك عرفت أنّ الوضع في مرتبة متقدمة على الاستعمال على جميع المسالك في تفسير الوضع ، وعليه فالوضع يحصل قبل الاستعمال ، فاذا كان كذلك فالاستعمال استعمال في الموضوع له ، وهذا واضح.
ثمّ لو تنزلنا عن ذلك وسلّمنا أنّ الوضع ليس عبارة عن مجرد أمر نفساني من تعهد واعتبار ملازمة ونحو ذلك ، بل للابراز دخل في حقيقة الوضع جزءاً أو قيداً ، وبدونه لا يتحقق الوضع ، كما هو الحال في مثل عنوان البيع والتجارة والهبة والصلح وما شاكل ذلك ، فانّ هذه العناوين لا تتحقق عرفاً ولا تصدق خارجاً على مجرد الاعتبار النفساني ما لم يبرزه في الخارج بمبرز من قول أو فعل ، فللابراز دخل فيها جزءاً أو قيداً ، مثلاً عنوان البيع لا يصدق عرفاً على مجرد اعتبار البائع ملكية المبيع لزيد مثلاً ، واعتبار زيد تملكه لنفسه بعوض معلوم ما لم يبرزه البائع بقوله : بعت أو ملكت ، والمشتري بقوله : اشتريت أو قبلت ، فالبيع عبارة عن الأمر الاعتباري الخاص المبرز في الخارج بمبرز ، وهكذا غيره ، فلو سلّمنا أنّ الوضع أيضاً كذلك فلايكون هذا الاستعمال استعمالاً في غير ما وضع له ، والوجه في ذلك : هو أنّه لا يعتبر في كون الاستعمال حقيقياً واستعمالاً في الموضوع له تقدّم الوضع على الاستعمال ، بل غاية ما يقتضيه ذلك هو أن لا يكون الوضع متأخراً عن الاستعمال ، فيكفي في كون الاستعمال حقيقياً مقارنة الوضع معه زماناً ، والمفروض أنّ الوضع والاستعمال في مقامنا هذا
__________________
(١) في ص ١٠٦.