الألفاظ من لدن نزول هذه الآيات الكريمة كقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (١) وقوله تعالى : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا)(٢) إلى غير ذلك ، وهم لا يتوقفون في فهم هذه المعاني من تلك الألفاظ ، ومن المعلوم أنّ هذا يكشف كشفاً قطعياً عن كونها حقيقة فيها قبل زمن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله فهي حقيقة لغوية وليست بحقيقة شرعية ، والقرآن الكريم قد تابعهم في استعمالها ، ليكون أوقع في النفوس ، حيث إنّهم كانوا مستأنسين بالتعبير عنها بهذه الألفاظ الخاصة.
والجواب عنه : أنّ هذا وإن كان ممكناً في نفسه إلاّ أنّه لا شاهد عليه ، لا من الآيات ، ولا من الروايات ، ولا من القرائن الخارجية.
أمّا الأخيرتان فظاهر. وأمّا الاولى فكذلك ، لأنّ شيئاً من هذه الآيات لا يشهد على ذلك ، فقوله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ... ) إلخ مثلاً ، لا يدل على أنّ الصوم بهذا اللفظ الخاص كان موجوداً قبل الشريعة ، غاية ما في الباب أنّ الآية تدل على أنّ الصوم كان موجوداً قبلها ، أمّا أنّه كان يعبّر عنه بهذا اللفظ الخاص ، فهي ساكتة عن ذلك ، والتعبير عنه في الآية المباركة من جهة اقتضاء مقام الافادة ذلك.
وأمّا انسباق هذه المعاني في أذهان القوم بمجرد نزول هذه الآيات ، فهو من جهة أنّ هذه الألفاظ قد صدرت عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله قبل نزولها ، ثمّ بعد ذلك جاءت الآيات الكريمة فحكت عمّا جاء به النبي الأعظم صلىاللهعليهوآله وقد استند فهم العرب إلى ذلك لا محالة.
__________________
(١) البقرة ٢ : ١٨٣.
(٢) مريم ١٩ : ٣١.