والمنكر يمكن أن يكون بأحد وجهين :
الأوّل : أنّ الصلاة باعتبار أجزائها المختلفة كمّاً وكيفاً ، مشتملة على أرقى معاني العبودية والرقية ، ولأجل
ذلك تصرف النفس عن جملة من المنكرات وتؤثر في استعدادها ، للانتهاء عنها من جهة مضادة كل جزء من أجزائها لمنكر خاص ، فانّ المصلي الملتفت إلى وجود مبدأ ومعاد إذا قرأ قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) التفت إلى أنّ لهذه العوالم خالقاً هو ربّهم ، وهو رحمن ورحيم ، وإذا قرأ قوله تعالى (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) التفت إلى أنّ الله يسأل عمّا ارتكبه من القبائح ويجازي عليه في ذلك اليوم ، وإذا قرأ قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) التفت إلى أنّ العبادة والاستعانة منحصرتان به تعالى وتقدس ، ولا يصلح غيره للعبادة والاستعانة.
وإذا قرأ (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) التفت إلى أنّ طائفة قد خالفوا الله وعصوه عناداً ، ولأجله وقع عليهم غضبه تعالى وسخطه ، أو أنّهم خالفوه بغير عناد فصاروا من الضالِّين.
وهناك طائفة اخرى قد أطاعو الله ورسوله فوقعوا في مورد نعمائه تعالى ورضاه ، ففاتحة الكتاب بمجموع آياتها تكون عبرة وعظة للمصلين الملتفتين إلى معاني هذه الآيات ، ثمّ إذا وصل المصلي إلى حدّ الركوع والسجود فركع ثمّ سجد ، التفت إلى عظمة مقام ربّه الجليل ، وأنّ العبد لا بدّ أن يكون في غاية تذلل وخضوع وخشوع إلى مقامه الأقدس ، فانّهما حقيقة العبودية وأرقى معناها ، ومن هنا كانت عباديتهما ذاتية.
ومن هنا كان في الركوع والسجود مشقة على العرب في صدر الاسلام ، فالتمسوا النبي صلىاللهعليهوآله أن يرفع عنهم هذا التكليف ويأمرهم بما شاء ، وذلك لتضادهما الكبر والنخوة ، وبما أنّ الصلاة تتكرر في كل يوم وليلة