فانّ الاستصحاب فيها دائماً معارض باستصحاب عدم سعة المجعول ، وبالتعارض يتساقط الاستصحابان لا محالة.
وأمّا على المسلك المشهور من جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية ، فالاستصحاب لا يجري في المقام أيضاً ، وذلك لاختصاص جريانه بما إذا كان المفهوم فيه متعيناً ومعلوماً من حيث السعة والضيق ، وكان الشك متمحضاً في سعة الحكم المجعول وضيقه ، كما لو شككنا في بقاء حرمة وطء الحائض بعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال ، فالمرجع فيه هو استصحاب بقاء الحرمة إلى أن تغتسل ، أو لو شككنا في بقاء نجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيره ، أو في بقاء نجاسة الماء المتمم كراً بناءً على نجاسة الماء القليل بالملاقاة ، فالمرجع في جميع ذلك هو استصحاب بقاء الحكم ، وبه يثبت سعته.
وأمّا فيما لا يتعين مفهوم اللفظ ومعناه ، وهو المعبّر عنه بالشبهة المفهومية ، فلا يجري الاستصحاب فيه ، لا حكماً ولا موضوعاً.
أمّا الأوّل : فلما ذكرناه في بحث الإستصحاب (١) من اعتبار وحدة القضيّة المتيقنة مع المشكوك فيها موضوعاً ومحمولاً في جريان الاستصحاب ، ضرورة انّه لا يصدق نقض اليقين بالشك مع اختلاف القضيتين موضوعاً أو محمولا ، وحيث إن في موارد الشبهات المفهومية لم يحرز الاتحاد بين القضيتين لا يمكن التمسك بالاستصحاب الحكمي ، فإذا شكّ في بقاء وجوب صلاة العصر أو الصوم بعد استتار القرص وقبل ذهاب الحمرة المشرقية عن قمة الرأس من جهة الشك في مفهوم المغرب وأنّ المراد به هو الاستتار أو ذهاب الحمرة ، فعلى الأوّل كان الموضوع وهو جزء النهار منتفياً ، وعلى الثاني كان باقياً ، وبما انّا لم نحرز
__________________
(١) مصباح الاصول ٣ : ٢٧١.