فيها ، والصحيح هو الثاني. وقبل التكلم في ذلك ينبغي لنا بيان ما هو المراد من الذات المأخوذة في المشتقات؟
فنقول : المراد منها ذات مبهمة في غاية الإبهام ، ومعرّاة عن كل خصوصية من الخصوصيات ما عدا قيام المبدأ بها ، فهي لمكان إبهامها واندماجها قابلة للحمل على الواجب والممكن والممتنع على نسق واحد ، بل هي مبهمة من جهة أنّها عين المبدأ أو غيره ، ومن هنا يصدق المشتق على الجوهر والعرض والأمر الاعتباري والانتزاعي والزمان ، وما فوقه من الواجب تعالى وغيره على وتيرةٍ واحدة ، من دون لحاظ عناية في شيء منها ، فهي كالموصولات في جهة الابهام فكما أنّها مبهمة من جميع الجهات إلاّمن ناحية صلتها ، ولذا سميت بالمبهمات ، فكذلك هذه.
ومن هنا يصحّ التعبير عنها بـ « ما » و « من » الموصولتين ، أو بكلمة « الذي » على اختلاف الموضوعات ، باعتبار كونها من ذوي العقول أو من غيرها ، فإذا قيل « العالم » فلا يراد منه إلاّمن ثبت له صفة العلم ، وإذا قيل « الماشي » فلا يراد منه إلاّمن له صفة المشي ، أو ما له صفة المشي وهكذا ...
إذا عرفت هذا فأقول : يدل على تركب المعنى الاشتقاقي بالمعنى الذي أوضحناه :
الوجدان والبرهان.
أمّا الوجدان : فلأجل أنّ المتبادر عرفاً من المشتق عند إطلاقه هو الذات المتلبسة بالمبدأ على نحو الابهام والاندماج ، مثلاً عند إطلاق لفظ « ضارب » تمثّل في النفس ذات مبهمة متلبسة بالضرب ، وهكذا ... وهذا المعنى وجداني لا ريب فيه.
وأمّا البرهان : فلما سنذكره من أنّه لا يمكن تصحيح حمل المشتق على الذات إلاّ بأخذ مفهوم الشيء فيه ، لأنّ المبدأ مغاير معها ذاتاً وعيناً ، ولا يمكن تصحيح