من المشيئة الواردة في الروايات من أنّه تعالى خلق الأشياء بالمشيئة ، والمشيئة بنفسها ، هو المشيئة الفعلية التي هي عين الوجود المنبسط ، والوجود الاطلاقي ، والمراد من الأشياء هو الموجودات المحدودة الخاصّة ، فموجودية هذه الأشياء بالوجود المنبسط ، وموجودية الوجود المنبسط بنفسها ، لا بوجود آخر ، وهذا معنى قوله عليهالسلام « خلق الله الأشياء بالمشيئة » أي بالوجود المنبسط الذي هو فعله الاطلاقي ، وخلق المشيئة بنفسها ، ضرورة أنّه ليس للوجود المنبسط ما به الوجود.
ولا يخفى أنّه قدسسره قد تبع في ذلك نظرية الفلاسفة القائلة بتوحيد الفعل ، وبطبيعة الحال أنّ هذه النظرية ترتكز على ضوء علّية ذاته الأزلية للأشياء ، وعلى هذا الضوء فلا محالة يكون الصادر الأوّل منه تعالى واحداً ذاتاً ووجوداً ، لاقتضاء قانون السنخية والتناسب بين العلّة والمعلول ذلك. وهذا الصادر الواحد هو الوجود الاطلاقيّ المعبّر عنه بالوجود المنبسط تارةً وبالمشيئة الفعلية تارة اخرى ، وهو الموجود بنفسه لا بوجود آخر ، يعني أنّه لا واسطة بينه وبين وجوده الأزلي ، فهو معلوله الأوّل ، والأشياء معلوله بواسطته ، وهذا المعنى هو مدلول صحيحة عمر بن اذينة المتقدمة (١).
ولنأخذ بالنقد عليه من وجهين :
الأوّل : أنّ القول بالوجود المنبسط في إطاره الفلسفي يرتكز على نقطة واحدة ، وهي أنّ نسبة الأشياء بشتى أنواعها وأشكالها إلى ذاته تعالى نسبة المعلول إلى العلّة التامة ، ويترتب على هذا أمران : الأوّل : التجانس والتسانخ بين ذاته تعالى وبين معلوله. الثاني : التعاصر بينهما ، وعليه حيث إنّه لا تجانس بين موجودات عالم المادة بكافة أنواعها وبين ذاته تعالى ، فلا بدّ من الالتزام بالنظام الجملي السلسلي ، وهو عبارة عن ترتب مسببات على أسباب متسلسلة ، فالأسباب
__________________
(١) في ص ٣٧٨.