ووجه الغرابة أمّا أوّلاً : فلا دليل على ثبوت هذه العادة لله تعالى.
وأمّا ثانياً : فقد قام البرهان القطعي على عدم واقع موضوعي لها أصلاً ، توضيح ذلك : أنّ الكلام من هذه الناحية تارةً يقع في المعاليل الطبيعية المترتبة على عللها ، واخرى في الأفعال الاختيارية.
أمّا الاولى : فلأ نّها تخضع لقوانين طبيعية ونظم خاصّة التي أودعها الله تعالى في كمون ذاتها وطبائعها ضمن إطار معيّن وهي مبدأ السنخية والتناسب ، والسر في ذلك أنّ العلل تملك معاليلها في واقع ذواتها وكمون طبائعها بنحو الأتم والأكمل ، وليست المعاليل موجودات اخر في قبال وجوداتها ، بل هي تتولد منها ومن مراتب وجودها النازلة ، وعليه فبطبيعة الحال تتناسب معها. مثلاً معنى كون الحرارة معلولةً للنار هو أنّ النار تملك الحرارة في صميم ذاتها وتتولد منها وتكون من مراتب وجودها ، وهذا هو التفسير الصحيح لاعتبار السنخية والتناسب بينهما.
فالنتيجة : أنّ الكائنات الطبيعية بعللها ومعاليلها جميعاً خاضعة لقانون التناسب والتسانخ ، ولا تتخلف عن السير على طبقه أبداً ، وعلى ضوء هذا فلا يمكن القول بأنّ ترتب المعاليل على عللها بمجرد جريان عادة الله تعالى بذلك من دون علاقة ارتباط ومناسبة بينهما ، رغم أنّ العادة لا تحصل إلاّبالتكرار ، وعليه فما هو المبرّر لصدور أوّل معلول عن علّته مع عدم ثبوت العادة هناك ، وما هو الموجب لتأثيرها فيه ووجوده عقيب وجودها. ومن الطبيعي أنّه ليس ذلك إلاّمن ناحية ارتباطه معها ذاتاً ووجوداً ، فإذا كان المعلول الأوّل خاضعاً لقانون العلّية ، فكذلك المعلول الثاني وهكذا ، بداهة عدم الفرق بينهما من هذه الناحية أبداً.