الرابع : أنّ الأشاعرة (١) قد أنكرت التحسين والتقبيح العقليين وقالوا : إنّ القبيح ما قبّحه الشارع ، والحسن ما حسّنه الشارع ، ومع قطع النظر عن حكمه بذلك لا يدرك العقل حسن الأشياء ولا قبحها في نفسه ، وقد أقاموا على هذا الأساس دعويين :
الاولى : لا يتصور صدور الظلم من الله ( سبحانه وتعالى ) والسبب في ذلك :
أنّ الظلم عبارة عن التصرّف في ملك الغير بدون إذنه ، والمفروض أنّ العالم بعرضه العريض من العلوي والسفلي والدنيوي والاخروي ملك لله سبحانه وتحت سلطانه وتصرّفه ، ولا سلطان لغيره فيه ولا شريك له في ملكه ، ومن الطبيعي أنّ أيّ تصرّف صدر منه تعالى كان في ملكه فلا يكون مصداقاً للظلم ، وعلى هذا فلا محذور لعقابه تعالى العبيد على أفعاله غير الاختيارية ، بل ولا ظلم لو عاقب الله ( سبحانه وتعالى ) نبياً من أنبيائه وأدخله النار وأثاب شقياً من الأشقياء وأدخله الجنّة ، حيث إنّ له أن يتصرف في ملكه ما شاء ، ولا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون عمّا يفعلون.
فالنتيجة : أنّ انتفاء الظلم في أفعاله تعالى بانتفاء موضوعه ، وعلى هذا المعنى نحمل الآيات النافية للظلم عن ساحته ( تعالى وتقدّس ) كقوله ( وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ )(٢) ونحوه ، يعني أنّ سلب الظلم عنه لأجل عدم موضوعه واستحالة تحققه ، لا لأجل قبحه.
ومن ضوء هذا البيان يظهر وجه عدم اتصاف أفعال العباد بالظلم ، حيث إنّها أفعال لله تعالى حقيقة وتصدر منه واقعاً ، ولا شأن للعباد بالاضافة إليها في
__________________
(١) كشف الفوائد ( ضمن مجموعة الرسائل للحلي ١ ) : ٦٥.
(٢) فصّلت ٤١ : ٤٦.