الصادر منه قهراً وبغير اختيار ظلم منه ووضع في غير موضعه ، وإن كان الملك ملك نفسه والتصرف تصرفاً في سلطانه ، كذلك يدرك أنّ مؤاخذة المطيع وإثابة العاصي ظلم.
فالنتيجة : أنّ الظلم لا ينحصر بالتصرف في ملك غيره. نعم ، عنوان الغصب لا يتحقق في فعله تعالى ، حيث إنّه عبارة عن التصرف في ملك الغير من دون إذنه ورضاه ، وقد عرفت أنّ العالم وما فيه ملك له تعالى.
ونزيد على هذا : أنّ إنكار التحسين والتقبيح العقليين يستلزم سدّ باب إثبات النبوّة وهدم أساس الشرائع والأديان ، والوجه في ذلك : هو أنّ إثبات النبوّة يرتكز على إدراك العقل قبح إعطاء المعجزة بيد الكاذب في دعوى النبوة ، وإذا افترضنا أنّ العقل لا يدرك قبح ذلك وأ نّه لا مانع في نظره من أنّ الله ( سبحانه وتعالى ) يعطي المعجزة بيد الكاذب ، فإذن ما هو الدليل القاطع على كونه نبياً وما هو الدافع لاحتمال كونه كاذباً في دعوته. ومن الطبيعي أنّه لا دافع له ولا مبرّر إلاّ إدراك العقل قبح ذلك.
ومن ذلك يظهر أنّ الأشاعرة لا يتمكنون ولن يتمكنوا من إثبات مسألة النبوة على ضوء مذهبهم.
هذا ، مضافاً إلى أنّ عقاب المطيع لو كان جائزاً ولم يكن قبيحاً من الله سبحانه لزم كون إرسال الرسل وإنزال الكتب لغواً ، فانّهما لدعوة الناس إلى الاطاعة والثواب وتبعيدهم عن المعصية والعقاب ، وإذا افترضنا أنّ كلاً من المطيع والعاصي يحتمل العقاب على فعله كما يحتمل الثواب عليه ، فلا داعي له إلى الاطاعة ، لجواز أن يثيب ( سبحانه وتعالى ) العاصي ويعاقب المطيع.
ودعوى أنّ عادة الله تعالى قد جرت على إظهار المعجزة بيد الصادق دون الكاذب ، خاطئة جداً.