______________________________________________________
إن قلت : إذا كان الكفر والعصيان والاطاعة والايمان بارادته تعالى التي لا تكاد تتخلف عن المراد فلا يصح أن يتعلق بها التكليف ، لكونها خارجة عن الاختيار المعتبر فيه عقلاً.
قلت : إنّما يخرج بذلك عن الاختيار لو لم يكن تعلّق الارادة بها مسبوقةً بمقدّماتها الاختيارية وإلاّ فلا بدّ من صدورها بالاختيار ، وإلاّ لزم تخلّف إرادته عن مراده ، تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
إن قلت : إنّ الكفر والعصيان من الكافر والعاصي ولو كانا مسبوقين بارادتهما إلاّ أنّهما منتهيان إلى ما لا بالاختيار ، كيف وقد سبقهما الارادة الأزلية والمشيئة الإلهية ، ومعه كيف تصح المؤاخذة على ما يكون بالأخرة بلا اختيار.
قلت : العقاب إنّما بتبعة الكفر والعصيان التابعين للاختيار الناشئ عن مقدّماته الناشئة عن شقاوتهما الذاتية اللاّزمة لخصوص ذاتهما ، فانّ السعيد سعيد في بطن امّه ، والشقي شقي في بطن امّه ، والناس معادن كمعادن الذهب والفضّة كما في الخبر ، والذاتي لا يعلل ، فانقطع سؤال إنّه لم جعل السعيد سعيداً ، والشقي شقياً ، فانّ السعيد سعيد بنفسه ، والشقي شقي كذلك ، وإنّما أوجدهما الله تعالى (١).
نلخّص كلامه ١ في عدّة نقاط :
الاولى : أنّ الارادة التكوينية علّة تامّة للفعل ويستحيل تخلفها عنه.
الثانية : أنّ إرادة العبد تنتهي إلى الارادة الأزلية بقانون أنّ كل ما بالغير ينتهي بالأخرة إلى ما بالذات.
الثالثة : أنّ إرادته تعالى من الصفات العليا الذاتية كالعلم والقدرة وما شاكلهما.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٦٧.