وعلى ضوء هذا الأساس يظهر اندفاع جميع الوجوه المتقدمة :
أمّا الوجه الأوّل : فهو يبتني على أن يكون المأخوذ في متعلق الأمر هو قصد الأمر الاستقلالي ، وأمّا إذا كان المأخوذ فيه هو قصد الأمر الضمني كما هو الصحيح فلا يلزم المحذور المزبور ، وذلك لأنّ قصد الأمر الضمني في كل جزء إنّما هو متأخر عن هذا الجزء لا عن جميع الأجزاء والشرائط ، هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى : قد تقدّم في مبحث الصحيح والأعم (١) أنّه لا مانع من أن يكون الواجب مركباً من جزأين طوليين ، ومن لحاظهما شيئاً واحداً وجعلهما متعلقاً لأمر واحد ، وما نحن فيه من هذا القبيل. فالنتيجة أنّ هذا الوجه ساقط على ضوء ما قدّمناه.
وأمّا الوجه الثاني : فهو أيضاً يقوم على أساس أن يكون المأخوذ في متعلق الأمر كالصلاة مثلاً هو قصد الأمر النفسي الاستقلالي ، فعندئذ لايتمكّن المكلف من الاتيان بها واجدة لتمام الأجزاء والشرائط منها قصد الأمر الاستقلالي إلاّ تشريعاً حيث لا أمر بها كذلك لفرض أنّها جزء الواجب والأمر المتعلق بالجزء لا يعقل أن يكون أمراً استقلالياً وإلاّ لزم الخلف ، بل لا بدّ أن يكون أمراً ضمنياً. وأمّا إذا افترضنا أنّ المأخوذ فيه هو قصد الأمر الضمني فلا يلزم ذلك المحذور ، لتمكن المكلف وقتئذ من الاتيان بالصلاة مع قصد أمرها الضمني ، وبذلك يتحقق المركب بكلا جزأيه.
وبكلمة اخرى : أنّ المكلف وإن لم يتمكن من الاتيان بها بداعي أمرها قبل إنشائه وفي ظرفه ، إلاّ أنّه متمكن منه كذلك في ظرف الامتثال ، وقد أشرنا أنّ المعتبر في باب التكاليف إنّما هو القدرة على امتثالها في هذا الظرف دون ظرف
__________________
(١) في ص ١٥٧.