كانت بأجمعها في عرض واحد ، وأنّ الجامع بين الجميع هو كون العمل لله تعالى كما يستفاد من قوله عليهالسلام : « وكان عمله بنيّة صالحة يقصد بها ربّه » (١) فلا يمكن أخذها في المأمور به ، وذلك لأنّ الداعي أيّاً منها فرض فهو في مرتبة سابقة على الارادة المحرّكة للعمل ، فإذا كان كذلك استحال كونه في عرض العمل الصادر عن الارادة التكوينية ، فانّ المفروض سبقه على الارادة حيث إنّ الارادة تنبعث منه ، والعمل متأخر عن الارادة على الفرض ، فإذا لم يمكن وقوع الداعي في حيّز الارادة التكوينية فلا يمكن وقوعه في حيّز الارادة التشريعية أيضاً ، بداهة أنّ متعلق الارادة التشريعية هو بعينه ما يوجده العبد في الخارج وتتعلق به إرادته التكوينية ، فلو لم يمكن تعلّق الارادة التكوينية بشيء لم يمكن تعلّق الارادة التشريعية به أيضاً.
أو فقل : إنّ الداعي حيث كان علّةً لحدوث الارادة التكوينية في نفس المكلف كان مقدّماً عليها رتبةً وهي متأخرة عنه كذلك ، فلو افترضنا أنّ الارادة تتعلق به لزم كونها مقدمةً عليه رتبة ، ومردّ هذا إلى تقدّم الشيء على نفسه وهو محال ، فإذا لم يمكن أخذ كل واحد من تلك الدواعي في المأمور به لم يمكن أخذ الجامع بينها فيه بعين البيان المذكور (٢).
ولنأخذ بالمناقشة عليه أوّلاً بالنقض. وثانياً بالحل.
أمّا الأوّل : فلو تمّ ما أفاده قدسسره من عدم إمكان تعلّق الارادة التشريعية والتكوينية بداعٍ من الدواعي القربية ، لكان ذلك موجباً لعدم إمكان تعلقهما به بمتمم الجعل وبالأمر الثاني أيضاً ، مع أنّه قدسسره قد التزم بامكان أخذه بالأمر الثاني ، والسبب في ذلك : هو ما عرفت من أنّ الداعي
__________________
(١) الكافي ٣ : ٢٦٨ / ٣ ( بتفاوت ).
(٢) أجود التقريرات ١ : ١٦٣.