لها ، لما بيّناه سابقاً من أنّ الألفاظ موضوعة لذوات المفاهيم والماهيات لا للموجودات الخارجية ولا الذهنية ، فانّ الاولى غير قابلة للاحضار في الذهن وإلاّ فلا تكون بخارجية ، والثانية غير قابله للاحضار ثانياً ، فانّ الموجود الذهني لا يقبل وجوداً ذهنياً آخر ، والمفروض أنّ الغرض من الوضع التفهيم والتفهم وهو لا يجتمع مع الوضع للموجود الذهني أو الخارجي ، بل لا بدّ أن يكون الوضع لذات المعنى القابل لنحوين من الوجود.
وبتعبير آخر : أنّ اللفظ موضوع بازاء المعنى اللاّ بشرطي ، سواء كان موجوداً في الخارج أم معدوماً ، ممكناً كان أو ممتنعاً ، وقد يعبّر عنه بالصور المرتسمة العلمية أيضاً ، وعلى ذلك فلا يمكن أن تكون الحروف موضوعة لأنحاء النسب والروابط ، لأنّها كما عرفت سنخ وجود لا ماهية لها فلا تكون قابلة للاحضار في الذهن ، وأمّا مفاهيم نفس النسب والروابط فهي من المفاهيم الاسمية وليست ممّا وضعت لها الحروف والأدوات.
هذا ، ولو تنزلنا عن ذلك وسلّمنا إمكان وضع اللفظ للموجود بما هو ، ولكنّا نقطع بأنّ الحروف لم توضع لأنحاء النسب والروابط لصحّة استعمالها بلا عناية في موارد يستحيل فيها تحقق نسبة ما حتى بمفاد هل البسيطة فضلاً عن المركّبة ، فلا فرق بين قولنا : ( الوجود للانسان ممكن ) و ( لله تعالى ضروري ) و ( لشريك الباري مستحيل ) فان كلمة اللام في جميع ذلك تستعمل في معنى واحد ، وهو تخصص مدخولها بخصوصية ما في عالم المعنى على نسق واحد ، بلا عناية في شيء منها ، وبلا لحاظ أيّة نسبة في الخارج حتى بمفاد كان التامة ، فان تحقق النسبة بمفاد كان التامة إنّما هو بين ماهية ووجودها كقولك : زيد موجود. وأمّا في الواجب تعالى وصفاته وفي الانتزاعيات والاعتبارات فلا يعقل فيها تحقق أيّة نسبة أصلاً.