اعتبار من الاعتبارات لا من الشارع ولا من العقلاء ، حتّى يتوصل بها إلى ترتبه في الخارج.
إذا عرفت ذلك فنقول : قد ظهر ممّا قدّمناه أنّ الجملة الإنشائية ـ بناءً على ما بيّناه من أنّ الوضع عبارة عن التعهد والالتزام النفساني ـ موضوعة لابراز أمر نفساني خاص ، فكل متكلم متعهد بأ نّه متى ما قصد إبراز ذلك يتكلم بالجملة الإنشائية ، مثلاً إذا قصد إبراز اعتبار الملكية يتكلم بصيغة بعت أو ملكت ، وإذا قصد إبراز اعتبار الزوجية يبرزه بقوله : زوّجت أو أنكحت ، وإذا قصد إبراز اعتبار كون المادة على عهدة المخاطب يتكلم بصيغة إفعل ونحوها ، وهكذا.
ومن هنا قلنا إنّه لا فرق بينها وبين الجملة الخبرية في الدلالة الوضعية والابراز الخارجي ، فكما أنّها مبرزة لاعتبار من الاعتبارات كالملكية والزوجية ونحوهما ، فكذلك تلك مبرزة لقصد الحكاية والاخبار عن الواقع ونفس الأمر.
فتحصّل ممّا ذكرناه : أنّه لا وجه لما ذكره المحقق صاحب الكفاية قدسسره من أنّ طبيعي المعنى في الإنشاء والاخبار واحد ، وإنّما الاختلاف بينهما من ناحية الداعي إلى الاستعمال ، فانّك عرفت اختلاف المعنى فيهما ، فانّه في الجملة الخبرية شيء وفي الجملة الانشائية شيء آخر.
وممّا يؤكّد ما ذكرناه : أنّه لو كان معنى الانشاء والاخبار واحداً بالذات والحقيقة ، وكان الاختلاف بينهما من ناحية الداعي ، كان اللازم أن يصح استعمال الجملة الاسمية في مقام الطلب كما يصح استعمال الجملة الفعلية فيه ، بأن يقال :
المتكلم في الصلاة معيد صلاته ، كما يقال إنّه يعيد صلاته أو إنّه إذا تكلم في صلاته أعاد صلاته ، مع أنّه من أفحش الأغلاط ، ضرورة وضوح غلطية استعمال زيد قائم في مقام طلب القيام منه ، فانّه ممّا لم يعهد في أيّ لغة من اللغات.