والإنصاف : أنّ تقريب الإشكال بالتقدّم الرتبي وأنّه لا يمكن الجمع بين ملحوظين طوليين ، هو الظاهر من تحرير السيّد ( سلّمه الله تعالى ) ولعلّ تحرير المرحوم الشيخ محمّد علي قريب من ذلك. ويمكنني القول إنّ حاصل ما أفاده شيخنا قدسسره من الإشكال ليس مبنياً على الطولية بين اللحاظين ، بل هو مبني على المنافاة بين لحاظ الجزء ولحاظ الكل بالاستقلال والاندكاك ، فقولنا : إذا شككت في شيء ، لا يمكن أن يكون المراد من الشيء فيه هو الجامع بين الجزء الملحوظ استقلالاً والكل ، لأنّ تعلّق الشكّ بالجزء يوجب كونه ملحوظاً مستقلاً ، وتعلّق الشكّ بالكلّ يوجب كونه ـ أعني الجزء ـ ملحوظاً مندكّاً في الكلّ ، وحينئذ لا يمكن أن [ يكون ] الشيء الذي وقع متعلّقاً للشكّ في الرواية الشريفة شاملاً للجزء وشاملاً للكلّ ، لأنّه على الأوّل يكون الجزء ملحوظاً مستقلاً ، وعلى الثاني يكون الجزء ملحوظاً في ضمن الكلّ لحاظاً اندكاكياً.
وهاك نصّ ما حرّرته عنه وهو : الثاني أنّ مبنى قاعدة التجاوز على لحاظ الأجزاء كلّ واحد منها بلحاظ نفسه وقبل التركيب ، فيكون كلّ واحد منها شيئاً مستقلاً شكّ فيه بعد تجاوز محلّه ، ومبنى قاعدة الفراغ على لحاظ المجموع المركّب شيئاً واحداً ، فلا تلاحظ فيه الأجزاء إلاّمنضمّاً بعضها إلى بعض ، فلا تكون ملحوظة على حالها وبنفسها ليكون كلّ واحد منها في هذه المرحلة ـ أعني مرحلة التركيب ـ شيئاً مستقلاً بحياله ليصدق عليه ما أُخذ في قاعدة التجاوز من قوله عليهالسلام : « كلّ شيء شككت فيه وقد جزته إلى غيره » (١) وإنّما يلاحظ المجموع شيئاً واحداً شكّ فيه بعد الفراغ منه ، ومن الواضح أنّه لا يمكن الجمع بين
__________________
(١) وسائل الشيعة ٦ : ٣١٧ ـ ٣١٨ / أبواب الركوع ب ١٣ ح ٤ ، وفيه « كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ... ».