مقدّمة ، وهي أنّ حكومة أحد الدليلين على الآخر سابقة في الرتبة على الجمع الدلالي ولو بمثل العموم والخصوص والاطلاق والتقييد ، فإنّ الجمع الدلالي ولو كان بالتقييد أو التخصيص فرع التنافي في الجملة ، وإذا كان أحدهما حاكماً على الآخر لكونه رافعاً لموضوعه ولو تعبّداً يرتفع التنافي بينهما ، وحينئذ لا تصل النوبة إلى التنافي بينهما كي تتأتّى في ذلك طريقة التخصيص أو التقييد التي هي مرتبة الجمع الدلالي.
إذا عرفت ذلك فنقول : إنّا لو قلنا بأنّ أصالة الصحّة من الأُصول الاحرازية بمعنى أنّه عند الشكّ في تحقّق شرط المعاملة تكون أصالة الصحّة في تلك المعاملة محرزة لوجود ذلك الشرط ، فإنّ دليلها وإن كان أخصّ مطلقاً من دليل الاستصحاب لما عرفت ، إلاّ أنّها لمّا كانت حاكمة في بعض الموارد على دليل الاستصحاب الجاري في تلك الموارد أعني أصالة عدم ترتّب الأثر ، كانت تلك الموارد خارجة عن موضوع دليل الاستصحاب خروجاً تعبّدياً بواسطة الحكومة المذكورة ، وحينئذ فقهراً يكون موضوع دليل الاستصحاب منحصراً بما عدا تلك الموارد ممّا يكون موضوعه فيها مجتمعاً مع موضوع أصالة الصحّة ، وبتلك الحكومة تنقلب النسبة بين الدليلين إلى العموم من وجه ، لما عرفت من أنّ طريقة الحكومة سابقة في الرتبة على الجمع الدلالي ، ففي المرتبة الأُولى كانت موارد الشكّ في مثل العربية ونحوها ممّا لا تجري [ فيه ] الاستصحابات الموضوعية خارجة عن موارد كلّي الاستصحاب ، وتكون تلك الموارد من مختصّات أصالة الصحّة ، كما أنّ الموارد التي لا محل لأصالة الصحّة فيها ممّا هي مورد للاستصحاب تكون من مختصّات دليل الاستصحاب ، وتبقى موارد أصالة الصحّة التي هي مجرى للاستصحابات الموضوعية النافية للشرط مجمعاً للدليلين