لو لم نقل بجعل الحجّية والطريقية ، بل قلنا بجعل الأحكام الظاهرية على طبق مؤدّيات الأمارات ، إمّا بتنزيل المؤدّى منزلة الواقع ، أو بتنزيل قيامها منزلة العلم بالواقع ، أو غير ذلك ممّا لا يرجع إلى جعل الحجّية والطريقية ، أمّا لو قلنا بما اخترناه من أنّ المجعول هو نفس الطريقية والحجّية ، فلا حاجة إلى الالتزام بالمصلحة السلوكية.
وفيه تأمّل ، فإنّ الالتزام بالمصلحة السلوكية إنّما هو لدفع الشبهة القائلة بأنّ جعل الطرق والأمارات يكون موجباً للوقوع في المفسدة أو تفويت المصلحة ، ومن الواضح تأتّي هذا الإشكال على القول بجعل الحجّية كتأتّيه على الأقوال الأُخر ، فإذا كان الجواب عن الشبهة على تقدير أحد الأقوال الأُخر بالالتزام بالمصلحة السلوكية ، كان على أرباب هذا القول ـ أعني جعل الحجّية ـ أن يجيبوا عن هذه الشبهة بالالتزام بالمصلحة السلوكية ، أو بنحو آخر من قبيل أنّ موارد الاصابة في الأمارات أكثر منها في القطع ونحو ذلك ممّا يتأتّى على جميع الأقوال.
ثمّ لا يخفى أنّ مورد الأمارة إمّا أن يكون من قبيل ما انسدّ فيه باب العلم بمعنى أنّ المكلّف في مورد تلك الأمارة لا يتمكّن من تحصيل العلم بالحكم الواقعي فيه ( ولعلّ هذا هو المراد ممّا أُفيد بقوله : وأمّا في صورة انسداد باب العلم (١) يعني انسداده في ذلك المورد الخاصّ لا الانسداد الكلّي (٢) ) وإمّا أن يكون باب العلم منفتحاً فيه.
فإن كان الأوّل لم يكن في البين تفويت للواقع كما أفاده بقوله : والمقدار
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٨٩.
(٢) وإن كان الذي يظهر ممّا أُفيد في جعل الطرق أنّ المراد هو الانسداد الكلّي [ منه قدسسره ].