المصلحة تكون كاسرة لمصلحة الواقع الذي خالفته ليعود محذور التصويب ، بل إنّ المراد أنّ الواقع باقٍ على ما هو عليه من الحكم الواقعي والصلاح الواقعي ، لكن لمّا كان المكلّف لم يحصل على تلك المصلحة الواقعية وقد فاتته بواسطة ركونه إلى الأمارة التي جعلها الشارع حجّة عليه ، كان على الشارع الحكيم أن يتدارك له ما فاته من المصلحة بمصلحة أُخرى ، فالتدارك شيء وكون مصلحة الواقع منكسرة بواسطة المصلحة السلوكية شيء آخر.
ومن ذلك يظهر لك أنّ القول بهذا المقدار من المصلحة السلوكية لا يوجب اندراج الأمارتين المتعارضتين في باب التزاحم ، فإنّه بناءً عليها لا تخرج الأمارتان المذكورتان عن كون حجّيتهما من باب الكشف والطريقية [ و ] عن كونهما متدافعين ومتنافيين من حيث الحكاية عن الواقع الذي هو ملاك التعارض والتساقط ، غايته أنّ هذه الأمارة التي تكون حجّيتها من باب الكشف والحكاية عن الواقع لو عمل بها المكلّف وفوّتت عليه مصلحة الواقع ، كان على الشارع الحكيم أن يتدارك ما فاته بمصلحة أُخرى ، وهذا المقدار لا يوجب انقلاب حجّيتها من الطريقية إلى السببية المعبّر عنها بالموضوعية ، بمعنى أنّ ما قامت الأمارة على وجوبه يكون قيام الأمارة على وجوبه أو تعنونه بما قامت الأمارة على وجوبه يكسبه صلاحاً يزاحم صلاح الواقع أو فساده لو كان ذلك الفعل محرّماً في الواقع مثلاً أو كان غير واجب ، وحينئذ فينحصر التزاحم والتخيير به ، ولا يتأتّى في السببية السلوكية.
ولكن سيأتي منه قدسسره في باب التعادل والتراجيح (١) المنع من كونه من باب التزاحم.
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٧٦١ ـ ٧٦٢.