التقدّم والتأخّر ، عرّفنا كلاً منهما ما يقتضيه حكمه الظاهري من وارثية مورّثه فيعمل كلّ منهما على طبق ما يجري في حقّه من الأصلين ، فورثة الأب يسلّمون الدنانير إلى ورثة الابن استناداً إلى استصحابهم حياة الابن ، ويأخذون منهم الدراهم استناداً إلى استصحابهم حياة الأب.
وهكذا الحال في ورثة الابن ، فإنّه يلزمهم تسليم الدراهم إلى ورثة الأب استناداً إلى استصحابهم حياته ، ولهم أخذ الدنانير استناداً إلى استصحابهم حياة الابن ، فيكون هذان الاستصحابان جاريين معاً في حقّ كلّ من الطرفين ، فليسا من قبيل واجدي المني ، لأنّ كلاً من واجدي المني يستصحب طهارة نفسه ، فالأصل الجاري في حقّ أحدهما غير الأصل الجاري في الآخر ، بخلاف ما نحن فيه فإنّ كلاً من الطرفين فيما نحن فيه يجري كلاً من الأصلين من حيث الأخذ والاعطاء ، وعمل كلّ واحد من الطرفين بكلّ واحد من الأصلين لا يكون مشتملاً على المخالفة لتكليف إلزامي ، وإنّما أقصى ما فيه أنّه يعلم أنّ أحد الأمرين من جواز أخذه ولزوم دفعه مخالف للواقع ، فتأمّل إذ ليس المقام من قبيل دوران الأمر بين حرمة الدنانير أو حرمة الدراهم عليهم ، بل هي من قبيل الدوران بين حرمتهما معاً لهم أو حلّيتهما معاً لهم ، فلا يكون في لزوم دفعهم الدراهم وجواز أخذهم الدنانير مخالفة عملية لتكليف إلزامي متوجّه إلى ورثة الابن ، وهكذا الحال في ناحية ورثة الأب.
نعم ، إنّ كلاً من الطرفين يعلم بحرمة مجموع المال إمّا عليه أو على طرفه ، وإذا كان مقتضى الأصل هو حرمة أحد المالين عليه وحلّية الآخر له لا يكون في ذلك مخالفة عملية لتكليف إلزامي ، وإنّما أقصى ما فيه هو العلم الاجمالي بخطأ أحد الحكمين ومخالفته للواقع ، هذا إذا لم يكن في البين احتمال المقارنة.