وأمّا ثانياً : فبأنّه لو سلّمنا كون العدم قابلاً لأن يكون رافعاً للمقتضى ـ بالفتح ـ يكون حاله حال الأمر الوجودي في أنّه لا دخل له في عالم الموضوع ، فلا يكون الشكّ فيه موجباً للشكّ في الموضوع كي لا تكون القضية المشكوكة متّحدة مع القضية المتيقّنة.
وأمّا ثالثاً : فبأنّ محصّل ذلك هو أنّ الشيخ قدسسره إنّما استثنى من إشكال وحدة القضيتين خصوص الشكّ في الرافع الوجودي ، وأنّ إشكال تعدّدهما إنّما هو فيما يكون الرافع عدمياً كما في مثال زوال التغيّر ، وقد عرفت أنّ الإشكال لا ينحصر في انعدام قيد وجودي من قيود الموضوع ، بل يجري في عكسه أيضاً.
فالأولى أن يقال : إنّ الذي هو سالم من إشكال عدم اتّحاد القضيتين هو ما يكون من قبيل رافع الحكم ، سواء كان الرافع له أمراً وجودياً أو كان أمراً عدمياً إن تصوّرنا كون العدمي رافعاً ، وأنّ الذي يتأتّى فيه الإشكال المذكور إنّما هو ما إذا كان الموضوع واجداً لأمر وجودي فينعدم ذلك القيد ، أو يكون الموضوع واجداً لأمر عدمي فينوجد ذلك الأمر ، ففي مثل ذلك لا يمكن جريان الاستصحاب لعدم اتّحاد الموضوع في القضيتين إلاّبطريقة التسامح العرفي ، بإخراج ذلك القيد الوجودي أو العدمي عن كونه قيداً وعنواناً وجعله ولو بقرينة مناسبة الحكم والموضوع من قبيل العلّة ، فلا يكون ارتفاعه من قبيل ارتفاع قيد الموضوع ، بل يكون من قبيل ارتفاع علّة الحكم ، وحيث إنّها يشكّ في كونها من قبيل المحدثة فقط أو من قبيل المحدثة المبقية ، يكون هذا الشكّ موجباً للشكّ في بقاء الحكم بعد ارتفاعها ، فيجري الاستصحاب على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى (١).
__________________
(١) في الصفحة : ٨٨.