وكذلك تحقّق الارتداد والنكوص على الأعقاب من قبل الصحابة بعد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، كما يخبرنا بذلك الصحابي البراء بن عازب عندما سأله المسيّب يقول : طوبى لك صحبت النبيّ صلىاللهعليهوآله وبايعته تحت الشجرة ، فيجيبه البراء ـ الذي هو من أصحاب بيعة الشجرة ـ بقوله : « يا ابن أخي إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده » !! (١) .
أي إنّنا غيّرنا وبدّلنا فلم تعد تبعيتنا تنفعنا ، مادام لم نلتزم بها من عدم التبديل والتغيير .
فإذاً الصحبة بما هي صحبة لا تجعل لصاحبها فضيلة أو منزلة أو مقام في القرآن الكريم وفي السنّة النبوية ، وفي كلمات الصحابة ، وفي كلمات العلماء ، كما أوضحنا ذلك فيما تقدّم .
والصحبة تصبح ذات منزلة وصاحبها محمود إذا انضمّ إليها الالتزام بالقوانين الشرعية ، وعدم التبديل والتغيير والنكوص على الأعقاب ، عند ذلك يكون للصحبة ميزة وفضيلة .
وأمّا ما ذكرته من « أنّ الله اختاره ليكون مع النبيّ » فهذا كلام لا دليل عليه ، إذ لم تشر له آية أو رواية أو أثر تاريخي ولو كان ضعيفاً ، فيبقى إطلاق الكلام من دون مسوّغ ومبرّر .
وأمّا نزول السكينة فهي على رسول الله صلىاللهعليهوآله حسب السياق الذي نزلت فيه الآيات والضمائر السابقة عليها ، قال تعالى : ( إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ) (٢) .
فلاحظ الكلمات : تنصروه ، نصره ، أخرجه ، سكينته ، عليه ، أيده .
فهذه الضمائر السابقة واللاحقة كلّها ترجع إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فلا وجه لإقحام أبي بكر في المقام أصلاً ، خصوصاً بعد ملاحظة الهيئة التشكيلية
______________________
(١) صحيح البخاري ٥ / ٦٦ .
(٢) التوبة : ٤٠ .