هي الخمس المعروفة ، أعني الاشتراك والنقل والمجاز والتخصيص (١) وإنّ حصول كمال المقصود من اللفظ يتوقّف على انتفاء هذه الأحوال ، فإنّه إذا انتفى عنه إحتمال الاشتراك والنقل كان له حقيقة واحدة ، وإذا انتفى عنه احتمال المجاز والإضمار كان المراد تلك الحقيقة ، وإذا انتفى احتمال التخصيص كان المراد تلك الحقيقة بكمالها ، وبذلك يحصل الفائدة المقصودة من اللفظ وهو فهم معناه منه بتمامه.
قال السيّد رحمهالله : ومقتضى ذلك إنّ الأصل في اللفظ هو الحقيقة الواحدة التامّة ، وإنّ ما عدا ذلك خارج عن الأصل فلا يحمل عليه اللفظ إلاّ بدليل ، ولذا ترى أنّ أكثر الاصوليّين اقتصروا في تعارض الأحوال على الصور العشر الحاصلة من ملاحظة هذه الخمس بعضها مع بعض ، ولم يتعرّضوا للصور الخمس الحاصلة من دوران الحقيقة مع كلّ من هذه الخمس ، لوضوح حكمها والاتّفاق على تقدّم الحقيقة فيها.
ومن أدخل الخمس في مسائل الدوران ، كالمصنّف قطع بتقدّم الحقيقة في الجميع من دون نقل خلاف في المسألة ولا تردّد في الحكم ، انتهى.
وممّن وافقه على هذه الدعوى بعض الأفاضل ، فإنّه بعد ما ادّعى كون ظاهر الاصوليّين الإطباق على الحكم بدلالة الاستعمال على الحقيقة ، جعل الاختلاف المعروف فيما إذا تعدّد المستعمل فيه ، وقال ـ بعيد ذلك في عنوان دلالته على الحقيقة مع اتّحاد المعنى ـ : ولا كلام ظاهرا في تحقّق الدلالة المذكورة.
بل يستفاد من كلامه كونه طريقة مستمرّة لعلماء الأدب وأئمّة اللغة ، قائلا : ويدلّ عليه بعد ذلك جريان طريقة أئمّة اللغة ونقلة المعاني اللغويّة على ذلك ، ثمّ استشهد لذلك بما عرفته عن ابن عبّاس والأصمعي ، ثمّ قال : وكذا الحال فيمن عداهما ، فإنّهم لا زالوا يستشهدون في إثباتها إلى مجرّد الاستعمالات الواردة في الأشعار وكلمات العرب ، ويثبتون المعاني اللغويّة بذلك.
__________________
(١) والظاهر سقوط كلمة « الإضمار » من قلمه الشريف.