وثاني ما يرد عليه : إنّ جواز الحقيقة بلا مجاز وامتناع المجاز بلا حقيقة لو تمّ وسلم عن المنع ـ بناء على أحد القولين الآخرين ـ لا تنهض بنفسه برهانا قاطعا على الحكم بحقيقيّة اللفظ في المعنى المتنازع فيه ، ولا حاجة معه إلى النظر في وسط آخر ، بل لا يعقل معه للاستعمال مدخل في ذلك الحكم.
نعم لا بدّ من إحرازه تحقيقا لموضوع البرهان المذكور ، أو إحرازا لمجرى الأصل المأخوذ منه ، ولا يلاحظ على أنّه مناط للحكم.
وثالث ما يرد عليه : بطلان المقايسة وعدم إمكان التعدّي إلى الاستعمال في معنيين بمقتضى أصالة الحقيقة ، سواء أخذت بمعنى القاعدة المأخوذة عن امتناع المجاز بلا حقيقة ، أو بمعنى القاعدة المستفادة من حكمة الوضع.
أمّا على الأوّل : فلعدم لزوم المجاز بلا حقيقة لو لا الحكم بالحقيقة في الجميع.
وأمّا على الثاني : فلأنّ الأصل في اللغة إنّما هو الحقيقة الواحدة لا مطلقا ، وكما أنّ المجاز طار على ما هو الأصل لكونه منافيا لجنسه ، فكذلك الاشتراك فإنّه أيضا طار عليه لكونه منافيا لفصله.
ووجهه : إنّه إن استعمل بلا قرينة معيّنة للمراد يلزم مخالفة الجزء الأوّل من حكمة الوضع ، وإن استعمل مع القرينة يلزم مخالفة جزئها الثاني ، وإذا تساوى الأمران في مخالفة الأصل فكيف يعقل العدول عن أحدهما إلى صاحبه فرارا عن مخالفة الأصل ، مع أنّ الثابت المحقّق بمقتضى الغلبة بل الأصل بالمعنى المذكور كون المتعيّن في محلّ التعارض والدوران إنّما هو المجاز ، لكون مخالفة الأصل بهذا المعنى فيه أقلّ كما لا يخفى.
ومنها : ما قرّره بعض الأفاضل (١) من جريان طريقة أئمّة اللغة ونقلة المعاني اللغويّة على ذلك ، فعن ابن عبّاس الاستناد في معنى « الفاطر » إلى مجرّد الاستعمال وكذا عن الأصمعي في معنى « الدهاق » وكذا الحال فيمن عداهما ، فإنّهم لا يزالون يستشهدون في إثباتها إلى مجرّد الاستعمالات الواردة في
__________________
(١) هداية المسترشدين : ٤٢ ( الطبعة الحجريّة ).