وأمّا توهّم إمكانه بإرجاع أحدهما إلى صاحبه ، المستلزم لطرح مادّة افتراقه ، ففيه ما فيه.
وكلامهم هنا غير خال عن الإجمال والاضطراب ، ولعلّه الباعث على فتح باب الاعتراض على ما نسب اليهم من زعمهم كون أسماء الذوات من قبيل الحقيقة الدينيّة دون أسماء الأفعال ، بأنّ هذه دعوى فاسدة لمكان القطع بأنّ الصلاة وغيرهما من أسماء الأفعال مجهولة المعاني عند أهل اللغة ، كالإيمان والكفر وغيرهما من أسماء الذوات ، فالحكم بأنّ جميع أسماء الذوات من قبيل الحقيقة الدينيّة دون أسماء الأفعال ، تحكّم محض لا يلتفت إليه.
ويمكن أن يكون نظرهم إلى قصر اصطلاحهم على ما كان الأقسام الثلاث من أسماء الذوات لا قصرها عليها ، فلا ينافي حينئذ وجود ما يكون من أسماء الأفعال مجهول المعنى عند أهل اللغة ، وعليه فيسلّم عن الاعتراض إذ لا مشاحّة في الاصطلاح.
ثمّ إنّ في كون الاختلاف فيما بين المعتزلة وغيرهم في إثبات الحقيقة الدينيّة وعدمه اختلافا في المعنى ، بدعوى : إنّ الفريقين بعدما اتّفقا على إثبات الحقيقة الشرعيّة ـ على معنى إثبات الوضع الشرعي لها ـ اختلفا في الحقيقة الدينيّة فأثبتها المعتزلة وأنكرها غيرهم ـ على معنى إنكار الوضع لما يسمّونه حقيقة دينيّة ـ أو في مجرّد التسمية والاصطلاح ، بدعوى : أنّهما بعدما اتّفقا على إثبات الوضع الشرعي للألفاظ الشرعيّة بجميع الأقسام الأربع المتقدّمة ، وتسمية الجميع بالحقيقة الشرعيّة اختلفا في تسمية بعضها بالحقيقة الدينيّة أيضا ، فأثبتها المعتزلة دون غيرهم ، وجهان ظاهر عنوان التقسيم هو الثاني ، حيث أخذ المقسم الحقيقة الشرعيّة.
وربّما يظهر أوّلهما من عبارة الحاجبي حيث قال : الشرعيّة واقعة خلافا للقاضي ، وأثبت المعتزلة الدينيّة أيضا (١).
__________________
(١) مختصر ابن الحاجب : الورقة ١١ ( مخطوط ) وانظر أيضا شرح العضدي على مختصر المنتهى لابن الحاجب : ٥٢.