كانت في الطرف المقابل للتنوين باعتبار دلالته على الوحدة ودلالتهما على الاثنينيّة وما فوقها ، إلاّ أنّها بحكم التبادر العرفي وظاهر كلام أئمّة اللغة وعلماء الأدب والاصوليّين تشاركه في نكارة المعنى ، فالتنوين وأدوات التثنية وأدوات الجمع بحسب الوضع ألفاظ من قسم الحروف متشاركة في الدلالة على النكارة ، ومتمايزة في الدلالة على الوحدة والاثنينيّة وما فوق الاثنينيّة.
وقضيّة ذلك : أن يكون التعدّد المأخوذ في وضع الأدوات معتبرا في الفرد كما أنّ الوحدة المأخوذة في وضع التنوين تعتبر في الفرد ، نظرا إلى أنّ النكارة إنّما تلحق الفرد لا غير ، فكما أنّ النكرة باعتبار وضع التنوين تدلّ على فرد مّا من الجنس لا بعينه ، فالتثنية أيضا باعتبار وضع الألف أو الياء المفتوح ما قبلها تدلّ على فردين من الجنس لا بعينهما ، والجمع أيضا باعتبار وضع « الواو » أو « الياء » المكسور ما قبلها يدلّ على أفراد من الجنس لا بعينها.
وبالجملة : فكلّ من الوحدة والاثنينيّة وما فوقها ملزومة للنكارة.
ويدلّ عليه أيضا ما في كلام النحاة في ذكر شروط بناء التثنية من اشتراطه بتنكير ، ولأجل ذلك ترى أنّ بعضا منهم أشكل عليه الأمر في تثنية الأعلام وجمعها « كزيدان » و « زيدين » و « زيدون » ونحوها ، فالتزم بكونهما من ملحقات التثنية والجمع لما اعتبر في بنائهما من النكارة في المفرد والعلم معرفة.
ومنهم من التزم بتأويل الفرد إلى المسمّى اعتبارا للتنكير في معناه ، وهم الأكثرون منهم ، بل في كلام بعض الأفاضل : لا شكّ في كون تثنية الأعلام وجمعها نكرة حسبما اتّفقت عليه النحاة (١).
وفي تضاعيف عبارات الشارح الرضي في مباحث المعرفة والنكرة ، ومباحث المثنّى والمجموع وغيرها : أنّ تثنية العلم وجمعه يغيّرانه من التعريف إلى التنكير.
ويظهر من مطاوي كلماته كونه اتّفاقا من النحاة ، ومن ثمّ يغلب فيهما دخول « لام » التعريف اعتبارا للتعريف في معناهما بواسطة « اللام » لزوال التعريف العلمي
__________________
(١) هداية المسترشدين : ١٢١ ( الطبعة الحجرية ).