واجباً تركه اختياراً. فإن الظاهر أنه لا يُثاب على تلك النيّة حينئذٍ ؛ لعدم ثباتها ، ولأنها عملٌ باطل ؛ فإن شرط صحّة هذه النيّة أن يفعل المنويّ ، ولأنه إذا نوى واجباً ثمّ عزم على تركه وصمّم ، [ أطفأ (١) ] ظلامُ عزمه واستيلائه على نفسه نورَ نيّته السابقة ، بل تكون نفسه أشدّ ظلاماً ممّا كانت عليه قبل تلك النيّة فإنه حينئذٍ قد أثم ، واستحقّ العقاب ، إلَّا أن يتوب ويرجع إلى الله ؛ فإنَّ الله توّاب رحيم.
وإمّا نيّة المعصية فيُعاقب عليها بمقتضى قواعد العدل ، وبالأخبار الكثيرة ، وخصوصاً إذا عمل ما نوى ، أو حال بينه وبين العمل مانع قهريّ مع بقائه على نيّة الفعل ما أمكنه ، بل عقاب هذه النيّة لا ينقطع ؛ لأنها عمل القلب ما لم يندم على نيّته ويرجع عنها فإنه يُثاب عليه ، والله توّاب رحيم.
وإذا كانت التوبة تمحو أثر فعل المعصية فمحوها لنيّتها أولى ، وكذا لو زالت نيّة المعصية عنه بذهول أو نسيان أو تغيير شهوته وانصرافها عن فعل ما نوى ، فإن مقتضى سبق الرحمة التي وسعت كلّ شيء إلّا يؤاخَذ بمجرّد تلك النيّة ، ولعموم الخبر المبحوث عنه وأمثاله كذلك.
ومن الأخبار الدالّة على حصول الإثم والعقاب على نيّة المعصية مثل ما جاء عنهم عليهم سلام الله أنهم قالوا نيَّة المؤمن خيرٌ من عمله ، ونيّة الكافر شرٌّ من عمله (٢).
والظاهر أن المراد منها : النيّة التي قد استدام عزمه على أن يفعل منويّها ما أمكنه. فهذه من أعمال القلب التي لا تنقطع ولو حال دون عمل منويّها الموت ؛ لأنهما كلّيّان كما أخبر الله عن أهل النار بقوله ( وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) (٣)
__________________
(١) في المخطوط : ( طفي ).
(٢) المحاسن ١ : ٤٠٥ / ٩١٩ ، وفيه : « ونيَّة الفاجر » ، الكافي ٢ : ٨٤ / ٢ ، وسائل الشيعة ١ : ٥٠ ، أبواب مقدِّمة العبادات ، ب ٦ ، ح ٣.
(٣) الأنعام : ٢٨.